للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقي الناس على رسمهم يخرجون كل يوم يلتمسون رجوعه إلى سلخ شوال، فلما كان ثالث ذي القعدة خرج مظفر الصقلبي، صاحب المظلة وغيره من خواص الحاكم، ومعهم القاضي، فبلغوا عفان (١)، ودخلوا إلى الجبل، فبصروا بالحمار الذي كان عليه راكبًا، وقد ضربت يداه بسيف وعليه سرجه ولجامه، فاتبعوا الأثر، فانتهوا به إلى البركة التي شرقي حلوان، فرأوا ثيابه، وهي سبع قطع صوف وهي مزررة بحالها لم تحل، وفيها أثر السكاكين فعادوا ولم يشكوا في قتله) (٢).وينفي المقريزي هذه الروايات ويقول: (وقيل أن أخته قتلته، وليس بصحيح) (٣).ويروي أيضًا عن المسبحي: (وفي محرم سنة خمس عشرة وأربعمائة قبض على رجل من بني حسين ثار بالصعيد الأعلى فأقر بأنه قتل الحاكم بأمر الله في جملة أربعة أنفس تفرقوا في البلاد وأظهر قطعة من جلدة رأس الحاكم، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه، فقيل له: لم قتلته؟ فقال: غيرة لله وللإِسلام، فقيل له: كيف قتلته؟ فأخرج سكينًا ضرب بها فؤاده فقتل نفسه) (٤).

ولما طويت صفحة الحاكم، واستقر في الأذهان مصرعه، وصفا جو الريبة التي ثارت حول اختفائه، أخذ الظاهر بوحي عمته ست الملك، في نقض سياسة أبيه تباعا، فألغى أحكام التحريم التي أصدرها الحاكم، وطورد الملاحدة أصحاب حمزة والمنادون بألوهية الحاكم في عهده بمنتهى الشدة، وقبض على زعمائهم وشيعتهم، وقتل كثيرون منهم، وصدرت الأوامر بتتبعهم في سائر الأنحاء وهرب زعيمهم حمزة بن علي.

أما الدروز فيقولون بغيبة الحاكم، وهذا يتمشى مع اعتقادهم أن الألوهية قد حلت في ناسوته: وكان لاختفاء الحاكم على هذا النحو فرصة لإِذكاء دعوتهم وتغذيتها، واتخذوا من هذا الاختفاء وظروفه الغامضة مستقى جديدا لدعوتهم. فزعموا أن الحاكم لم يقتل ولم يمت، ولكنه اختفى أو ارتفع إلى السماء، وسيعود عندما تحل الساعة فيملأ الأرض عدلاً، وأصبح هذا الادعاء أصلاً مقررًا من أصول عقيدتهم.

ويوجد بين رسائل الدروز رسالة عنوانها (السجل الذي وجد معلقًا على المشاهد في غيبة مولانا الإِمام الحاكم)، وتاريخها في شهر ذي القعدة سنة ٤١١ هـ، أي بعد اختفاء الحاكم بأيام قلائل. (وتبدأ الرسالة بـ (التوبة) إلى الله تعالى، وإلى وليه وحجته على العالمين، وخليفته في أرضه، وأمينه على خلقه أمير المؤمنين) ... إلى أن تقول: وأنه قد سبق إليكم، أعني إلى الناس من الوعد والوعظ والوعيد من ولي أمركم، وإمام عصركم، وخلف أنبيائكم، وحجة باريكم ... إلخ) (٥).

ويقول الدكتور عبد الرحمن بدوي عن هذا السجل: (ونحن نعتقد أن هذا السجل ليس من وضع حمزة بن علي، لأنه يخالف كل العقائد التي دعا إليها حمزة، - وذلك لأمرين -:

١ – فهو ينعت الحاكم بأنه (ولي أمركم، وإمام عصركم، وخلف أنبيائكم)، وأنه ولي الله و (خليفته في أرضه) و (أمير المؤمنين)، وهذه الصفات تتنافى مع ما ذهب إليه حمزة في رسائله، وخصوصًا في (ميثاق ولي الزمان) حيث نعت الحاكم بأنه (مولانا الأحد، الفرد الصمد).


(١) الظاهر أن المقصود هو الدير الذي في أعلى الجبل، وهو مطل على الصحراء والنيل واسمه دير القصير (المكان المعروف قرب حلوان).
(٢) ابن الأثير ((الكامل في التاريخ)) (٩/ ٣١٤).
(٣) المقريزي: ((الخطط المقريزية)) (٣/ ٢٥٣).
(٤) المقريزي: ((الخطط المقريزية)). (٣/ ٢٥٣).
(٥) نسخة السجل الذي وجد معلقا على المشاهد في غيبة مولانا الإمام الحاكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>