للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ – إن هذا السجل يمجد في الحاكم بأمر الله أنه أحيا (سنة الإِسلام والإِيمان) التي هي الدين عند الله، وبه شرفتم وظهرتم في عصره على جميع المذاهب والأديان ... فدخلوا في دين الله أفواجًا، وبنى الجوامع وشيدها، وعمر المساجد وزخرفها، وأقام الصلاة في أوقاتها، والزكاة في حقها وواجباتها، وأقام الحج والجهاد، وعمر بيت الله الحرام، وأقام دعائم الإِسلام): فكيف يتفق تمجيد الحاكم بسبب إحيائه سنن الإِسلام، والسهر على أركانه، مع ما يذهب إليه حمزة بن علي في (ميثاق ولي الزمان) من أن من يدخل في ديانة التوحيد التي دعا إليها، فعليه أن يتبرأ من جميع المذاهب والمقالات والأديان والاعتقادات كلها) (١).

وأرى أن هذا السجل، لا يمكن أن يكون من وضع حمزة أو أحد دعاته، لأنه في الواقع ينفي كل ما ذهب إليه الدروز في اعتقاداتهم بأن الحاكم هو الإِله، وليس الإِمام أو الخليفة، وكما سنرى في الفصول القادمة، فإن هذه الألقاب لا يجوز أن يوصف بها الحاكم. ويرى الدكتور عبد الرحمن بدوي أيضًا: (أن صاحب المصلحة في ذلك، كان أصحاب السلطة والوزراء، أو من شابههم، وذلك حتى يكون إعلانًا عامًا للناس، وطمأنة لهم، وتخويفًا في نفس الوقت، خصوصًا وأن الناس يكرهون الحاكم، وأنه قد يحدث بعد وفاته اضطراباً في الأمن واختلالاً في أحوال الدولة) (٢).وإلى جانب هذا السجل، هناك رسالة أخرى كتبها أحد أكابر الدعاة وأحد الحدود الخمسة عند الدروز، وهو المقتني بهاء الدين (٣) وعنوانها (رسالة الغيبة).

يقول فيها: (معشر الموحدين، إذا كنتم تتحققون أن مولاكم لا تخلو الدار منه، وقد عدمته أبصاركم ... وإذا فسدت المعدة ضرت البصر، فهكذا إذا كانت المادة واصلة إلى النفوس الصحيحة، فينظروا صورة الناسوت نظرًا صحيحًا، وإذا كانت المادة من فعل الأبالسة ومادة النطقاء والأسس وشرائعهم، فيفسد النظر، وما ينظر إلا بشر ... ثم يقول: ألم تعلموا أن مولاكم يراكم من حيث لا ترونه. معشر الإخوان، أحسنوا ظنكم بمولاكم يكشف لكم عن أبصاركم ما قد غطاها من سوء ظنكم) (٤).

(وهذا وقد مضى إلى اليوم عشرة قرون، ولا يزال الدروز يؤمنون برجعته ويرقبونها، ولم يحدد لنا الدعاة متى تكون هذه الرجعة؟ ولكن يقولون:


(١) د. عبد الرحمن بدوي: ((مذاهب الإسلاميين))، (٢/ ٦٢٠ - ٦٢١).
(٢) د. عبد الرحمن بدوي: ((مذاهب الإِسلاميين)) (٢/ ٦٢٣).
(٣) ستأتي ترجمته عند حديثنا عن أشهر دعاة الدروز في الفصل القادم.
(٤) ((رسالة الغيبة)).

<<  <  ج: ص:  >  >>