للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدروز موجودون منذ الأزل، واعتنقوا كثيرا من الديانات على مر الدهور، واعتنقوا الإِسلام في مرحلة من مراحل عقيدتهم، ولما كانت العقيدة عندهم متطورة فقد تحولوا عن الإِسلام إلى دين آخر مستقل هو الدين الدرزي، أي أن الدرزية كانت مذهبًا إسلاميًا ثم تطورت وأصبحت دينًا مستقلاً، والأقطاب هم الذين يجددون الدين من زمن إلى زمن، وهم يجيئون بأسماء مختلفة بين الفينة والفينة بدافع نظرية التقمص التي يؤمن بها الدروز ولذلك فالدرزية دين متطور يتطور من زمن إلى آخر.

الشريعة الدرزية مأخوذة من القرآن، ومن ستة عشر كتابًا خطيًا لا يسمح لأحد بالاطلاع عليها، كما أنها تأخذ تعاليمها من الفلسفة اليونانية وبخاصة الأفلاطونية القديمة، والمسيحية والإِسلام والبوذية والفرعونية القديمة، ويعتبرون إخوان الصفا من الدروز لتشابه الأفكار بينهما، فقد كان إخوان الصفا يطالبون بمزج الشريعة الإِسلامية بالفلسفة اليونانية، وبهذه المناسبة يخلط البعض خطأ بين الدرزية والإِسماعيلية، والواقع أن الفرق بينهما شاسع كبير. محمد (صلى الله عليه وسلم) له مكانة محدودة عندهم، وهو ليس إلا واسطة الرسالة وحسب (١)، وللدروز خمسة أقطاب منذ القدم، خامسهم وآخرهم الحاكم بأمر الله الفاطمي (٢)، ولأبي يزيد البسطامي مكانة عالية سامية (٣)، وأما الصحابة فمنهم أربعة لهم مكانة عليا عندهم وهم: سلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر (٤)، وأبو ذر الغفاري (٥).لا يقبل الدروز أحد في دينهم ولا يسمحون لأحد بالخروج منه، وحتى هؤلاء الذين يخرجون لا يعترف الدروز بأنهم قد خرجوا، ولذلك فإن عدد الدروز في ظل هذه النظرية ونظرية التقمص لا يزيد ولا ينقص، وقد أغلقت أبواب القبول في الدين الدرزي بعد قبول الأمير بشير الشهابي الذي يعتبره الدروز درزيًا (٦).


(١) في هذا الأمر يغالط كمال جنبلاط، ويموه في الجواب، لأنه في الحقيقة – وكما سيرد في الفصول القادمة – فإنهم لا يحترمون الرسول صلى الله عليه وسلم بل يسمونه إبليس اللعين. وأن الذي كان يمده بالقرآن هو سلمان الفارسي.
(٢) يقصد الظهورات التي ظهر فيها المعبود بالصورة الناسوتية.
(٣) هو طيفور بن عيسى البسطامي، أبو يزيد، ويقال بايزيد، ونسبته إلى بسطام (بلدة بين خراسان والعراق)، وكان ابن عربي يسميه أبا يزيد الأكبر، وكان يقول بوحدة الوجود، وأول من قال بمذهب الفناء، ولد سنة ١٨٨هـ وتوفي سنة ٢٦١ هـ. انظر ((الأعلام للزركلي)). (٣/ ٣٣٩).
(٤) هو عمار بن ياسر بن عامر الكناني المذحجي العنسي القحطاني، صحابي، وهو أحد السابقين إلى الإسلام والجهر به، هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان، وهو ممن بنوا مسجد قباء، وولاه عمر الكوفة، وشهد وقعة الجمل ووقعة صفين مع علي، وقد قتل في صفين سنة ٣٧ هـ وعمره ثلاث وتسعون سنة. انظر ((الأعلام للزركلي)) (٥/ ١٩٢).
(٥) جندب بن جنادة من بني غفار، من كنانة بن خزيمة، صحابي وهو خامس من أسلم، هاجر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بادية الشام. انظر ((الأعلام للزركلي)). (٢/ ١٣٧).
(٦) بشير بن قاسم بن عمر الشهابي، ولد في قرية غزير سنة ١١٧٣ هـ، وقد ولاه أحمد باشا الجزار والي عكا إمارة لبنان سنة ١٢٠٣ هـ فكانت له حوادث كثيرة وعزل مرات وأعيد، حتى نفي إلى مالطا، ثم إلى الأستانة حتى مات سنة ١٢٦٦ هـ. ومن المعلوم أن الأمير بشير انحدر من أصلاب مسلمة، ثم قيل إنه قد تنصر، والآن يأتي جنبلاط ويقول أنه دخل في الدرزية، وهذا الكلام الأخير محل شك إن لم تؤيده البراهين، لأننا نعلم يقينا أن هذا الباب (الدخول) قد أغلق منذ زمن بعيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>