للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولانا بك آمنا، ولك أقررنا أن مصحفك هذا، نور الصراط المستقيم هو مسوق إلينا، معروض علينا، دان إلى أفهام قلوب ألبابنا، عال بأسراره وأبنائه، لا يمل من تلاوته، ولا ينزف من حلاوته، ظاهره أنيق، وباطنه عميق، قريبه حكمه، وبعيده علمه، وهو المجيز عند الخصام، والأسوة سببها لجميع الموحدين ما بين العالمين مدى حيوات الأنام، أسهمه لا تنبو، وعادياته لا تكبو، هو الكل والبعض والجمع والفرق، به تبدل الأعيان، ولا عدة إلا به، والجميع إليه.

مولانا، نستفتح به مصلين حامدين شاكرين، وقد طوينا البيد مؤمنين، وسرنا في رياض جنة المنتهى غير محجوبين عن عيونك، وهذه آيات حكمة مصحفك ترتلها أفئدتنا كرما منك، لتصون بها وجوه كوننا من إحراق العدم. ففي تلاوتها يا مولانا، نرى كشف النور والظلم، وفي نومنا قرارنا، وظعننا وأسفارنا، وسلمنا وحربنا، وصحتنا ومرضنا، وفي مهودنا صابين، وفي شيخوختنا عاجزين، وفي حيواتنا وموتنا، وفي الدنا وفوق أشياخ النجوم. إنك مولانا، نعم المولى ونعم النصير) (١).ويبدو أن جنبلاط كان له الأثر العميق في الدرزية فقد اعترف بذلك في كتابه (هذه وصيتي) فدراسته للمذهب الدرزي أتاحت له الشروع في عمل تحليلي، حيث قارن مذهبه على هدي تعاليم الفيدا الهندوكية والفلسفة اليونانية اللتين أتاحتا له اكتشاف مفاتيح الأسرار الدرزية – كما يزعم – وأعطاه خربًا من السلطة الروحية مما جعل مشايخ الدروز يطلبون رضاه (٢).

وهذا يوضح لنا قدرة جنبلاط وإحاطته بالدين الدرزي، ويؤكد القول بأن المصحف المنفرد بذاته من تأليفه.

ولإِعطاء صورة أوضح عن حقيقة العقيدة الدرزية في الوقت الحاضر، نورد حديثًا شخصيًا مع الأستاذ كمال جنبلاط، الرجل الذي ينسب إليه مصحف الدروز، وقد أجراه معه الدكتور مصطفى الشكعة، في كتابه إسلام بلا مذاهب حيث يقول فيه جنبلاط: يرجع تاريخ الدروز إلى ثلاثمائة وثلاث وأربعين مليونا من السنين حين كانت الأرواح بلا أجساد (٣).

الدروز يؤمنون بالتقمص، أي تقمص الأرواح، بمعنى أن الذي يموت لا تصعد روحه إلى السماء بل تتقمص جسد مولود جديد ولذلك فهم لا يزيدون عددا ولا ينقصون لأن النقص عملية دائمة متواصلة بين أرواحهم، وهم لذلك يقولون إن الحياة البرزخية غير موجودة.


(١) ((مصحف الدروز عرف الفتح)) – (ص: ١ – ٥).
(٢) كمال جنبلاط ((هذه وصيتي)) (ص ٥٠).
(٣) لقد كنا أوردنا تعليقات حول بعض السخافات التي قالها الأقدمون من هذه النحلة، وقد يكون قولهم مبنيا بقصد التعمية والتشويش أو الاعتقاد. ولكن مثل هذا القول من رجل مشهود له بالثقافة والاطلاع، وفي هذا العصر، أفلا يعتبر ضحكا على الناس واستهزاء بعقولهم وبالتاريخ؟ وإلا فمن أين علم بوجودهم بهذا التاريخ وهو من الأمور التي يأت بها وحي منزل، ولم يسندها تاريخ مكتشف. وكم كان يسرنا لو ذكر عدد الشهور والأيام والساعات، ولو تفضل أيضا بذكر الدقائق والثواني لتحقق الموضوع تحقيقا كاملا؟! والظاهر أن الأستاذ جنبلاط قد اعتمد في تقديره هذا على ما جاء في رسالة (الأسرار ومجالس الرحمة والأولياء) أن (الأدوار السابقة سبعون دورا وبين كل دور وآخر سبعون أسبوعا، وكل أسبوع سبعون سنة، وكل سنة ألف سنة، وهذا الاعتماد لا تقوم به حجة، بل هو مضحك للغاية؟

<<  <  ج: ص:  >  >>