للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أمثلة ذلك ما جاء في عرف الأمر والتقديم إذ يقول: (أنتم وما تعبدون مكبكبون على وجوهكم، يوم ينادي منادي مولاكم الحاكم من مكان بعيد: هذا يومكم الذي فيه توعدون، تتلوها أيام العذاب إنكم لخالدون ولات محيص ... إلى أن يقول: وإلا فقولوا لي أيها الضالون المعاندون، فهل جاء لكم رب غيره مع جنوده، أروني إن كنتم صادقين) (١).ويقسم هذا المصحف إلى أربع وأربعين عرفا، ويقع في مائتين وتسع وستين صفحة، ويقول كاتبه في مقدمته: (جرى تقسيم هذا المصحف المكرم وفق المواضيع لتسهيل الاطلاع عليه. ووضع لكل فصل تسمية تنطبق مع ما ورد فيه من معان، ولقد اخترنا اسم العرف تناسبا مع ما يطلق على أبناء التوحيد: كنيتم بالأعراف ووصفتم بالأشراف) (٢).

وفي أوائل صفحات هذا المصحف، يعرف كاتبه بالأسماء والعبارات والإشارات التي وردت في ثناياه، ومما يذكر أن في بعض أعراف هذا المصحف عبارات غريبة، كتبت بأحرف عربية، ولكنها لغة غير معروفة، لا يعرف معناها، والظاهر أنها ألغاز، ولذلك يقول كاتبه: أنه لا يريد أن يظهر معناها، لأن لها معان سرية لا يجوز لكل واحد الاطلاع عليها. ومن أمثلة ذلك ما ورد في عرف (شمس المغيب): (يوديلووهكا طران كنان وهقويكان سهى وهطمكل واطغظلوا أو هكهز كان بطكة وعد ودلولذوسلر) (٣).

وقد بدأ هذا المصحف بـ (عرف الفتح) نورده هنا، لنعرف بعض ما يرمون إليه من هذا المصحف: (به، والحمد له على هذا النور، والشكر والفضل لذوي الصلات موالينا الحدود (٤) صلى الله عليهم ومن قبل ومن بعد، والموحدون في صياصيهم (٥) يرجعون ما أمر المولى به أن يوصل. الحمد أبدأ للذي وفقنا لحفظ الحكمة في صدورنا من مصحفه المنفرد بذاته، نرتله مستضيئين، وهو الذي انشقت عنه سماء القدرة بمنة آلاء التجليات، فانفجرت منه اثنا عشرة عينا قد علم الموحدون مشربهم (٦).الحمد لك مولانا (٧)، أنت الذي فتحت أبواب قلوبنا على حكمه وأحكامه، وآدابه وتأويله وإعرابه، وأنت الذي ألهمتنا تدبر معانيه في حقيقته ومجازه، وإيجازه وإسهابه، ودعوتنا إلى الاعتصام بأمتن أسبابه.

ونشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، شهادة مشاهد موحد عارف موقن، مؤمن بأيام حسابه، ونشهد أن موالينا وساداتنا الحدود الخالقين، صليت عليهم، هم فصل خطابك وألسنة ذاتك، وهم موصلو حبال الحق، وجامعو الموحدين على مائدة المعبود، فعليهم منك صلات الصلاة مادامت عين اليقين.


(١) ((مصحف الدروز – عرف الأمر والتقديم)) – (ص ١٠ – ١١).
(٢) ((مصحف الدروز)) (ص: ١).
(٣) ((مصحف الدروز)): ((عرف شمس المغيب)) – (ص: ٢٣٠).
(٤) يقصد الحدود الخمسة، والذي سيأتي ذكرهم بالتفصيل في فصل أشهر الدعاة الدروز.
(٥) الظاهر أن المقصود بهؤلاء هم العقال الذين يسكنون الخلوات.
(٦) يلاحظ هنا كيفية تحور الآية إلى ما يرمون إليه، والآية الكريمة المشار إليها هي: وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * البقرة: ٦٠*.
(٧) المقصود بمولانا هنا هو (الحاكم بأمر الله).

<<  <  ج: ص:  >  >>