للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل من المفيد ونحن نتحدث عن تطور المذهب الدرزي بعد الحاكم، أن نعطي بعض الملامح لتاريخ الدروز منذ موت الحاكم وحتى القرن الحالي. فعندما جاء الزحف المغولي إلى بلاد الشام سنة ٦٥٧ هـ بزعامة هولاكو، كانت السيطرة على لبنان بيد أمراء الدروز التنوخيين، ولما دخل (كتبغا) ابن هولاكو دمشق جاءه الأمير التنوخي جمال الدين حجي الثاني معلنًا خضوعه له، مما جعل (كتبغا) يقر الأمير الدرزي على مقاطعة الغرب، ولكن مجيء بيبرس من مصر على رأس جيش المماليك لمقاتلة المغول، قلب موازين القوى – في ذلك الوقت -، وهنا ارتأى الدروز أن (يلعبوا على الحبلين)، وذلك أن يبقى أحدهم وهو الأمير جمال الدين بجانب كتبغا، فيما ينضم الأخر أي الأمير زين الدين إلى جانب المماليك، بحيث يكون على قول صالح بن يحيى: (أي من انتصر من الفريقين كان أحدهما معه فسيدخله رفيقه وخلة البلاد)، لأن الانحياز إلى أحد القوتين كان يعني المجازفة بمصيرهم فيما لو خسر الجانب الذي قد ينضمون إليه (١)؟!.وبعد انتصار المماليك على المغول، استولوا على بلاد الشام دون أن يتعرضوا لمناطق الدروز بسوء، ولذلك وجهوا اهتمامهم لاحتلال المناطق الساحلية التي كانت لا تزال بيد الصليبيين، ولكن بيبرس كانت تساوره الشكوك في حقيقة موقف الدروز، وغدا مليئًا بالشك والحذر منهم، وذلك بعدما نما إلى علمه أن أمراء الدروز على اتصال بوالي طرابلس الصليبي، فأمر بسجنهم ليتسنى له أن يلتفت لغدر الصليبين (٢).وكل هذا كان قبل قيام الدولة العثمانية، أما بعد قيامها، فقد راودتهم الأحلام القديمة بقيام دولة مستقلة لهم، وخاصة أنهم رأوا الفرصة سانحة لهم لانشغال العثمانيين بقتال الدول الأوربية المجاورة، فكان أن عملوا على تحقيق هذه الأحلام في عهد الأمير فخر الدين الثاني المنحدر من المعنيين، الذي اتخذ في سبيل ذلك أسلوب المداورة عن طريق حروبه المحلية لبسطة نفوذه على سائر بلاد الشام، ولكن سياسته هذه جعلت العثمانيين يوجسون منه خوفًا، بيد أن تحركه على الصعيد الخارجي عززت تلك المخاوف وأثارت شكوك الباب العالي في ولائه للعثمانيين، وخاصة أن أهدافه الحقيقية بدأت بالوضوح عندما عقد مع دوق توسكانا معاهدة تجارية تضمنت بنودًا عسكرية ضد الدولة العثمانية؟! فقرر السلطان العثماني التخلص من فخر الدين، فجرد عليه حملة قوية برًا وبحرًا سنة ١٠٢٢ هـ / ١٦١٣ م، فهرب إلى أوربا عن طريق ميناء صيدا بمساعدة سفينتين إحداهما فرنسية وأخرى هولندية، وهناك أراد أن يؤلب الدول الأوربية ضد الدولة العثمانية، فسعى جاهدًا للحصول على مساعدات عسكرية من أسبانيا وفرنسا والفاتيكان ضد العثمانيين، ولكن مسعاه فشل لأن الظروف الدولية في ذلك الوقت كانت غير صالحة (٣).


(١) انظر تفصيل ذلك في كتاب ((تاريخ الموحدين الدروز)) / د. عباس أبو صالح ود. سليمان مكارم (ص: ١١٢).
(٢) انظر تفصيل ذلك أيضا في كتاب ((تاريخ الموحدين الدروز)) / د. عباس أبو صالح ود. سليمان مكارم (ص ١١٣ - ١١٤).
(٣) كتاب ((تاريخ الموحدين الدروز)) / د. عباس أبو صالح ود. سليمان مكارم (ص ١٣٣ – ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>