للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبحكم علاقة فخر الدين أمير الدروز الوطيدة بدول أوربا فقد كان يعطف على الإِرساليات الأوربية ويسمح بإنشاء مراكز لها في لبنان وفلسطين، وفضلاً عن ذلك فقد بسط يد الحماية لجميع النصارى في بلاد الشام، حتى صار الأوربيون يدعونه (حامي النصارى في الشرق)، وكان عطف الأمير على الموازنة وتحالفه معهم من أبزر مميزات سياسته الداخلية، وكان أيضًا عاملاً في هجرة الموارنة من مناطقهم إلى مناطق المسلمين، وانتشارهم في أكثر من ثلثي لبنان الحالي، مما قوى مركزهم السياسي في لبنان بعد ذلك (١)؟!.وكما يذكر كمال جنبلاط فإن إمارة درزية أخرى كانت قائمة في الدولة العثمانية خاضعة لحكم أحد أجداده، ووجدت في شمال سوريا وكانت تشمل حمص وحماة وحلب ودمشق وجزءًا من تركيا الأنضولية، وشأن الدولة المعينية، فقد عقدت هذه الإِمارة أيضًا معاهدات عسكرية مع الفاتيكان ودوقية توسكانا وأسبانيا، وتلقى جده مقابل ذلك دعمًا سياسيًا وعسكريًا (٢).

وفي سنة ١٢٥٣ هـ / ١٨٣٧ م، قام الدروز بتمرد على محمد علي باشا والي مصر، وكان ذلك في جبل الدروز بحوران بسبب تجريدهم من السلاح وتجنيدهم في الجيش، وبقي هذا التمرد مشتعلاً بعد أن انضم إليه دروز وادي التيم، رغم محاولات محمد علي القضاء عليه، إلى أن جرد عليه حملة قوية سنة ١٢٥٦ هـ / ١٨٤٠ م. وبعد أن وجدت الدول الأوربية الضعف في الدولة العثمانية، عملت على استمالة الأقليات الموجودة داخله، وخاصة في لبنان، الذي كانوا يرون فيه مدخلاً مهمًا لكل مؤامراتهم على الدولة العثمانية، وكانت فرنسا ترى في نفسها مدافعًا شرعيًا عن موارنة لبنان، وقد اتخذت هذه الحجة الواهية ذريعة في سبيل تدخلها في شؤون الدولة العثمانية، وهذه السياسة الفرنسية خوفت بريطانيا مما جعلها سنة ١٨٤١ م تعمل على استمالة الدروز إلى جانبها وتقيم علاقات رسمية وودية معهم ومع زعمائهم، ويظهر أن الإِنجليز قد فهموا أحلام الدروز بإقامة دولة لهم، فاستغلوها لاستمالتهم وإقامة العلاقات الوطيدة معهم (٣).


(١) كتاب ((تاريخ الموحدين الدروز)) / د. عباس أبو صالح ود. سليمان مكارم (ص ١٤٢ – ١٤٣).
(٢) كمال جنلاط ((هذه وصيتي)) (ص ٤٠).
(٣) عباس أبو صالح وسامي مكارم ((تاريخ الموحدين الدروز)) (ص ٢٤٥، ٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>