للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بات هذا واضحًا عندما ثار الدروز في جبلهم على الدولة العثمانية سنة ١٨٥١ م إذ امتنعوا عن دفع الضرائب، فجردت الدولة العثمانية حملة لتأديبهم، فتدخلت بريطانيا لدى الباب العالي، وصدرت الأوامر من الأستانة بحل المشكلة الدرزية سلمًا، وجاء في برقية الصدر الأعظم الموجهة إلى مدحت باشا (والي الشام) بهذا الصدد: (أن الإنجليز لا يسرون بما تتخذه من التدابير لتأديبهم)، وهذا التدخل شجع الدروز، إذ ما لبثوا أن اعتدوا على المكرك وأم الولد وحرقوا زرعهما في سنة ١٢٩٦ هـ / ١٨٨٠ م، وعلى قرية (المسمية) في حوران سنة ١٣٠٨ هـ / ١٨٩٠ م. ثم ثاروا في سنة ١٣١١ هـ / ١٨٩٣ م و ١٣١٣ هـ / ١٩٨٥ م وكذلك في سنة ١٣٢٨ هـ / ١٩١٠ م. وكانت اعتداءات الدروز على أهالي حوران قد أثيرت في مجلس المبعوثان العثماني، حيث ندد مبعوث حوران باعتداءات الدروز، مطالبًا الدولة باتخاذ الإِجراءات العسكرية الرادعة ضدهم بعد اعتدائهم على الجيش والأهالي، وأنهى خطابه بمطالبة الحكومة بسوق قوة عسكرية على حوران (لصيانة العرض والدين والمال وتأمين الرعية من الخوف) (١).مما تقدم يتضح لنا بأن دروز حوران كانوا في شبه ثورة دائمة ضد الدولة العثمانية، وعندما كانت الولاية تعرض عليهم برامج الإِصلاح وتطلب من زعمائهم مساعدتها في تطبيقها، كان الزعماء يقبلون ذلك ثم يرفضونه وهكذا، وبالرغم من ذلك فقد حاولت ولاية سوريا إصلاح الأوضاع الإِدارية والاجتماعية في منطقة جبل الدروز عن طريق نشر التعليم بين الدروز بإنشاء المدارس وتعليمهم مبادئ الدين الإِسلامي، واتبعت سياسة اللين والرفق مع رؤسائهم الروحانيين، وذلك باستدعائهم إلى دمشق وبذل المساعي لإِقناعهم بقبول الإِصلاحات، فيبدي الزعماء رضاهم التام لدرجة المطاوعة والانقياد، ولكنهم لم يثبتوا على ذلك طويلاً (٢).

وهكذا يبدو أن ثورات الدروز المستمرة ضد الدولة العثمانية وخاصة بعد سنة ١٨٤١ م، كانت تهدف بالدرجة الأولى الاستقلال عن الدولة وبسط السيطرة الدرزية على لواء حوران بمساعدة وتأييد بريطانيا. وبعد استعمار فرنسا لسوريا، عملت عن طريق عملائها وبكل ما تستطيع من إمكانيات وإغراءات أن تستميل الدروز إلى جانبها ويتركوا الإِنجليز، ومن أجل ذلك تابعت فرنسا استمالة زعماء الدروز، فاستطاعت في ٢٠ نيسان ١٩٢١م عن طريق الجنرال (غورو) أن تقنع الأمير سليم الأطرش بإعلان دولة درزية في جبل الدروز وتشكيل حكومة درزية وانتخاب مجلس نيابي مكون من (٤٠) عضوًا، ورفرف لأول مرة في تاريخ الدروز علمهم المكون من خمسة ألوان (٣).

وعندما رأت بريطانيا أن نفوذها سيزول عند الدروز بسبب هذه الدولة استمالت أحد أمراء الجبل، والذي كان من أهم العوامل التي أثرت على عدم بقاء هذه الدولة وسقوطها.

والحديث عن تاريخ الدروز في القرن الحالي يدفعنا لإِعطاء صورة موجزة عن موقف الدروز من دولة إسرائيل، حيث كانوا بعد قيام هذه الدولة على أرض فلسطين من أهم المدافعين عن وجودها، بل إن إسرائيل استطاعت أن تكون كتيبة منهم فيما يسمى بـ (حرس الحدود) كان له دور خطير ومهم في حروب إسرائيل مع الدولة العربية. لذا فإن كمال جنبلاط في كتابه (هذه وصيتي) يعتبر وجود الدروز في إسرائيل مشكلة، ولكن في الوقت نفسه يدافع عن تعاملهم مع دولة العدو وينتقد الفلسطينيين الذين هربوا وتركوا أرضهم وبلادهم ولم يقلدوا الدروز في بقائهم في فلسطين، ولو أنهم بقوا لشاركوا بسهولة في اقتصاد إسرائيل وبالتالي في السلطة السياسية ويكونون أقلية قوية وفعالة في البرلمان، وبالتالي فإن الدروز فيما فعلوه مع إسرائيل قاموا بواجبهم بتعقل، فهم يعلمون أنه لا جدوى في الهجوم على طواحين الهواء – كما يزعم جنبلاط – (٤).

وفي سنة ١٩٨٢م عندما احتلت إسرائيل لبنان، رفضت مليشيات الدروز (الحزب التقدمي الاشتراكي) قتال الجيش الإِسرائيلي ورفضت مدفعيته الموجودة في الجبل مساعدة الفلسطينيين، ولذلك استطاع الجيش الإِسرائيلي دخول مناطق الدروز دون أن تطلق رصاصة واحدة، وبقيت الأسلحة في يد الدروز رغم وجود الجيش الإِسرائيلي في مناطقهم.

المصدر:عقيدة الدروز عرض ونقد لمحمد أحمد الخطيب – ص ٨١


(١) محمد عبد العزيز عوض ((الإدارة العثمانية في ولاية سورية)) (ص ١٩٣، ٢٩١، ٢٩٢).
(٢) محمد عبد العزيز عوض ((الإدارة العثمانية في ولاية سورية)) (ص ٢٩٣).
(٣) د. وجيه كوثراني ((بلاد الشام – السكان والاقتصاد والسياسة الفرنسية)) (ص ٩٣ ٩).
(٤) كمال جنبلاط ((هذه وصيتي)) (ص ٥٦ - ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>