للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونأتي بعد ذلك إلى الداعية الآخر بهاء الدين، والذي كان له أكبر الأثر في انتشار مذهب الدروز وقيامه بعد غياب حمزة سنة ٤١١ هـ، وذلك لأن مرتبته في الدعوة هي مرتبة الجناح الأيسر أو التالي، وسنرى في حديثنا عن الحدود في العقيدة الدرزية، أن من يشغل هذه المرتبة يكون لسان الدعوة، وله من الحدود: الجد، والفتح، والخيال. وقد استمر بهاء الدين يحمل أعباء الدعوة إلى مذهبه، فكتب الرسائل إلى الملوك والأمراء يدعوهم إلى الدخول في مذهبه، كما كتب إلى الذين خرجوا عن المذهب بعد أن كانوا من دعاته أمثال الداعي (سكين) (١) الذي ادعى أنه الإِله المعبود، وأنه الحاكم بأمر الله.

ومما يذكر أن الكثير من رسائل الدروز، قد كتبها بهاء الدين، ومن هذه الرسائل: (رسالة التنبيه والتأنيب والتوبيخ)، (رسالة التعنيف والتهجين)، (ورسالة القسطنطينية)، وغير ذلك من رسائل كثيرة كتبها، وأغلبها في الرد على الآراء الجديدة التي حاول الخارجون عليه أن يبثوها، لذلك تحمل أكثر العناوين من رسائله التأنيب والتوبيخ والتعنيف. ولما شعر بهاء الدين باضطراب الأحوال، بعد أن كثرت الآراء الدخيلة في المذهب، أخذ يهدد أتباعه باعتزال الدعوة، وبالفعل اعتزلها سنة ٤٣٤ هـ، بعد أن أقفل باب الاجتهاد حرصا على الأصول والأحكام التي وضعها حمزة، والتميمي، وما وضعه هو نفسه) (٢).

هؤلاء هم دعاة الدروز، وعلى أيديهم قام المذهب الجديد، وسنعرض عند الحديث عن حدود الدروز باقي هؤلاء الدعاة.

ولاشك أن حمزة كان إمامهم وداعيتهم الأكبر، وكان طموحه كبيرًا وكان بهاء الدين بالفعل متممًا حقيقيًا لما بدأه حمزة، ولولا بهاء هذا لانقرض هذا المذهب بعد غياب حمزة.

المصدر:عقيدة الدروز عرض ونقد لمحمد أحمد الخطيب – ص ١٠٣


(١) أحد دعاة الدروز الأوائل، وكان يشبه الحاكم في بعض ملامحه، فلما قتل الحاكم ادعى أنه الحاكم، فاجتمع حوله بعض المفتونين، واستطاع أن يدخل القصر على أنه الحاكم، ولكن لم يلبث أن عرف الحراس حقيقته فقتل، ويعتبره الدروز مارقا وخارجا عن مذهبهم.
(٢) مصطفى غالب: ((الحركات الباطنية في الإسلام))، (ص: ٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>