للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما عن مصير الدرزي بعد أن كشف عن هذا المذهب، فيختلف المؤرخون في ذلك، فمنهم من يقول بقتله في ذلك الوقت على يد الأتراك. ومنهم من يرجح أنه لم يقتل في هذا الظرف، ولكنه اختفى في القصر أيامًا بحماية الحاكم حتى هدأت العاصفة وسكن الجند، ثم دبر الحاكم له سبيل الفرار، وأعانه بالمال، فسار إلى الشام ونزل ببعض قرى بانياس (١) وأذاع في الناس دعوته، فكانت أصل مذهب الدروز الذي سمي باسمه، وحاول هناك أن ينقلب على حمزة ويدعي الإِمامة والرئاسة له، فقتل بتحريض من حمزة سنة ٤١١ هـ، والأرجح أن هذا هو السبب الوحيد والجوهري لغضب حمزة عليه. ويفهم من رسائل حمزة بأن الدرزي لم يكن وحيدًا، بل كان معه دعاة آخرون أمثال البرذعي، وعلي بن أحمد الحبال، ويذكر ذلك في (رسالة الغاية والنصيحة) فيقول: (وفرعون البرذعي، وهامان علي بن الحبال، لأن فرعون كان داعي وقته، فلما أبطأ الناطق قال: (أنا ربكم الأعلى) (٢) يعني إمامكم الأعظم، وهامان الذي فتح له باب المعصية) (٣).ويقول أيضًا في رسالة (الصيحة الكائنة): (وما منكم أحد إلا وقد نصحته بحسب الهداية إلى دعوته، فمنكم من استجاب، ونكث مثل علي بن أحمد الحبال الذي كان مأذونًا لي، وعلى يده استجاب نشتكين الدرزي) (٤).

ويذكر كذلك في (رسالة الرضا والتسليم): (وأما البرذعي فأنا أرسلت إليه ودعوته إلى توحيد مولانا جل ذكره، فلما أرسل إليه الدرزي رسوله ومعه ثلاثة دنانير وأوعده بالمركوب والخلع فمضى إلى عنده وفتح له أبواب البلايا والكفر، أما أصحابه كلهم فمكتوبة عندي عليهم وثائق بالشهود العادلة لأن لا يراجعوا عما سمعوه مني أبدًا). ومن خلال هذه الرسالة يتبين لنا أن حمزة عندما عرض على البرذعي أمر الاستجابة إلى دعوته، شرط عليه أن يأتيه بتوقيع الحاكم، (وهذا يعني أن الحاكم كان يعلم بدعوة حمزة، وكان على اتصال وثيق به) (٥).

وفي ختام حديثنا عن دعاة الدروز، لابد أن نلم قليلاً باثنين من حدودهم الخمسة وأكابر دعاتهم وهما:

أبو إبراهيم إسماعيل بن حامد التميمي، صهر حمزة ويليه في مرتبة الحدود، والذي يلقب بالنفس، وذومصة، والمشيئة، وإدريس زمانه، وأخنوخ أوانه.

والداعية الثاني هو: بهاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد السموقي، المعروف بالضيف، وهو الحد الخامس من الحدود، ومرتبته الجناح الأيسر، أو التالي. أما التميمي، فلاشك أنه من الحدود الكبار – عند الدروز – الذين قام المذهب على أكتافهم، (وتؤكد النصوص التاريخية أن حمزة كان يعتمد على صهره وساعده الأيمن الذي ينفذ بدقة ونشاط أصعب المهمات وأشدها خطرًا) (٦).

وقد كتب التميمي عدة رسائل من مجموع رسائل الدروز منها: رسالة في تقسيم العلوم، والزناد، والشمعة، والرشد والهداية، وله أيضًا شعر يمجد فيه الحاكم اسمه (شعر النفس).

ومع ذلك فنحن نعجب لسكوت كتب التاريخ، ورسائل الدروز عن هذا الداعية بعد غياب حمزة سنة ٤١١ هـ، إذ لا يوجد لدينا أي شيء عن هذا الداعية بعد هذا التاريخ.


(١) هما بلدان على الساحل السوري، وعند القنيطرة.
(٢) يشير إلى الآية الكريمة فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى *النازعات:٢٣ - ٢٤*.
(٣) ((رسالة الغاية والنصيحة)).
(٤) ((رسالة الصبحة الكائنة)).
(٥) مصطفى غالب: ((الحركات الباطنية في الإسلام))، (ص: ٢٤٣).
(٦) مصطفى غالب: ((الحركات الباطنية في الإسلام))، (ص: ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>