للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا تلخيص لكل ما ذكره المؤرخون عن هذا الداعية، والظاهر من رسائل حمزة أنه لم يكن ضد الأخرم، كما كان ضد الدرزي، على أن (الرسالة الواعظة) لأحمد حميد الدين الكرماني، تفيدنا بعض الشيء عن مهمة الأخرم وهي رسالة موجهة إلى الأخرم ردًا على رقعة بعث بها الأخرم إليه، حيث يتضح من هذه الرسالة أن الأخرم هو الذي كان يقود حركة الدعاية للمذهب الجديد وأنه هو الذي كان يبعث بالرقاع إلى الناس يدعوهم فيها إلى عقيدته الجديدة وكان يطلب من العلماء وكبار الدعاة أجوبة فكتب إليه الكرماني (الرسالة الواعظة).

وأول ما يراه الكرماني في رقعة الأخرم أنها خالية من البسملة ومن الصلاة على النبي، وعلى الأئمة من ذريته، ويضيف الكرماني قائلاً: ولا تخلو أن تكون في تظاهرك بولاء أمير المؤمنين عليه السلام، إما متبعًا له، أو غير متبع، فإن كنت متبعًا فبمخالفتك إياه فيما أمرك به من السجلات المكرمة من السلام عليه في جميع المكاتبات وقعودك عن الاقتداء فيما يفعله من تصدير سجلاته وجميع مكاتباته وخطبه بسم الله الرحمن الرحيم، والاستفتاح به، والصلاة على سيد المرسلين وخاتم النبيين والتبرك بها قد كفرت. ومن الأفكار التي قالها الأخرم في رقعته للكرماني: من عرف منكم إمام زمانه حيًا، فهو أفضل ممن مضى من الأمم من نبي أو وصي أو إمام ... وأن من عبد الله من جميع المخلوقين، فعبادته لشخص واحد لا روح فيه، ويتساءل عن معنى الآية الكريمة عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا [الإنسان:١٨]، وعن: الإسلام وشرائطه؟ وعن: الذي يتقرب به إلى المعبود؟ وهل الشريعة محدثة أم قديمة مع الدهر؟ وما النفس؟ وما العقل؟ ثم ينتهي به القول إلى أن الشريعة والتنزيل والتأويل خرافات وقشور وحشو ولا تتعلق بها نجاة، وأن الناس لا يوجهون وجوههم إلى القبلة لأنها حائط، وأن المعبود هو الحاكم) (١).

وهذا يدل على أن الأخرم كان من مؤسسي هذه الدعوة، وكان لسان دعايتها، ولا ندري تمامًا مرتبته بين الحدود، لأنه قتل قبل أن يتبلور مركز الحدود ومراتبهم، ولا ندري ماذا يكون مصيره مع حمزة لو قدر له أن يعيش.

أما الداعية الآخر، والذي ينسب إليه الدروز فهو: محمد بن إسماعيل الدرزي (نشتكين): في حديثنا فيما سبق عن حمزة بن علي، ذكرنا أن أول من كشف عن عقائد المذهب الدرزي، كان محمد بن إسماعيل الدرزي سنة ٤٠٧ هـ، مما اضطر حمزة إلى الإِعلان والكشف عن دعوته لتأليه الحاكم سنة ٤٠٨ هـ. والدرزي على الأرجح من أصل تركي، ويذكر المؤرخون أنه وفد على مصر سنة ٤٠٧ هـ، فخدم الحاكم وتقرب إليه، ولكن الذي يرجحه الدكتور محمد كامل حسين: أن الدرزي كان قبل هذا التاريخ في مصر واتصل بحمزة بن علي مدة طويلة قبل إظهار الدعوة، وعملاً معًا في رسم خططها) (٢).

ويصرح حمزة في (رسالة الغاية والنصيحة): بأن الدرزي كان يضرب الدنانير والدراهم، وهذا مما يؤكد أن الدرزي كان قريبًا من حمزة والحاكم. ولاشك أن الدرزي كان من أقوى رسل حمزة وأشدهم عزمًا وجرأة، وكان يسير على طريقة حمزة في الدعوة، (ومن الغريب أن حمزة في إحدى رسائله يتهم الدرزي بأنه لا يقر إلا بإنسانية الحاكم بأمر الله، دون ألوهيته، مستندًا في هذا إلى أن الدرزي يقول: أن روح آدم انتقلت إلى علي بن أبي طالب، ثم انتقلت روح علي إلى الحاكم، وعلي هو الأساس، والأساس هو مجرد إمام، وليس إلهًا) (٣).


(١) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص: ٧٩).
(٢) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص: ٧٩).
(٣) د. عبد الرحمن بدوي: ((مذاهب الإسلاميين)) (ص ٥٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>