للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويضيف الدكتور سامي مكارم: (وهذا المعتقد التوحيدي يعتمد العقل في استكشافاته، ولا يراد بالعقل الأدنى، أي البشري أو الدنيوي إن صح التعبير، بل العقل الأرفع أو الكلي الذي هو المبدع الأول، أبدع من النور الشعشعاني المحض صورة صافية كاملة فتضمن في سره معنى ما كان وما يكون دفعة واحدة بدون زمان، فكان قوة كاملة وفعلاً تامًا، وكان علة العلل وأصل الوجود وغايته معًا) (١).

مما سبق يتبين أن الإِيمان بإمامة حمزة – وأنه المبدع الأول وغير ذلك – هي من أهم معتقدات الدروز، وأصل عظيم من أصولهم، لأنه أول الحدود الخمسة الذين يعتقدون بهم، وهو أيضًا في نظرهم نبي الحاكم. وقد جاء في مخطوط (شرح ميثاق ولي الزمان) (٢) ما يلي ثم من تسليم الروح ومعرفة العقل صفي الرب صلى الله عليه، وتمييزه عن إخوته الأربعة، وهم: النفس، والكلمة، والسابق، والتالي، وتمييزه عنهم بأحوال كثيرة.

وفي شعر – مخطوط – لدرزي يسمى بـ (الشيخ أبي عبيد) يقول فيه:

ألا صلوا على قلم القضايا رسول الله أفضل من أجابا رسول الله حمزة يا خليلي فأولى من أتانا بالكتابا (٣) وحسب عقيدة التناسخ والأدوار عند الدروز، فقد ظهر حمزة في الأدوار الكبرى، والأدوار الصغرى بأسماء مختلفة: فهو شطنيل في دور آدم، وفيثاغورس في دور نوح، وداود في دور إبراهيم، وشعيب في دور موسى، واليسوع في دور عيسى، وأنه – أي حمزة – هو المسيح الحقيقي الأبدي، وسلمان الفارسي في دور محمد (صلى الله عليه وسلم) (٤)، وهو الذي أملى القرآن على محمد (صلى الله عليه وسلم) وهكذا ...

هذه لمحة سريعة عن حمزة، إمام الدروز، وقائم زمانهم، تبين بوضوح ذكاء ودهاء هذا الرجل، فقد استطاع أن يكون نموذجًا للدعاة الملاحدة، الذين ظنوا أنهم يستطيعون أن يقوضوا أركان الإِسلام ودعائمه، فلم ينفع ذكاؤهم ولا مهارتهم في هذا الدين شيء، بل حفظ الله هذا الدين. وخابت كل مساعيهم. ونأتي بعد ذلك إلى الداعي الآخر وهو: الحسن بن حيدة الفرغاني (٥) (الأخرم): هذا الداعي لا نعرف عنه إلا الشيء القليل، ذلك أنه ظهر بمدينة القاهرة عقب ظهور حمزة بقليل، وكما يقول ابن العماد في شذرات الذهب أنه ظهر (في الثاني من رمضان سنة ٤٠٩ هـ) (٦).وقد دعا إلى مثل ما دعا إليه حمزة من التناسخ والحلول، وألوهية الحاكم، وذاعت دعوته بسرعة في جماعة من المغامرين والمرتزقة، فاستدعاه الحاكم وخلع عليه وأركبه فرسا مطهما، وسيره في موكبه) (٧).غير أنه لم تمض على ذلك أيام قلائل، حتى وثب عليه رجل من أهل السنة وقتله وقتل معه ثلاثة رجال من أتباعه، فغضب الحاكم وأمر بإعدام قاتله ودفن الأخرم على نفقة القصر في حفل رسمي، كما أن جمهور أهل السنة احتفلوا بمأتم القاتل ودفنوه مكرمًا) (٨). (ولكن القبر نبش بعد أيام واختفت جثته، وكان ذلك على ما يظهر بوحي الحاكم ورغبته) (٩).


(١) د. سامي مكارم: ((أضواء على مسلك التوحيد))، (ص ٨١).
(٢) مخطوط في جامعة شيكاغو (رقم ٣٧٣٧): أخذت عن نسخة الجامعة الأردنية شريط (رقم ٢٩).
(٣) مخطوط في جامعة شيكاغو (رقم ٣٧٣٧): أخذت عن نسخة الجامعة الأردنية شريط (رقم ٢٩).
(٤) عبد الله النجار: ((مذهب الدروز والتوحيد)). (ص ١٢٣).
(٥) نسبة إلى فراغان، بالفتح. مدينة واسعة بما وراء النهر متاخمة لبلاد التركستان. بينها وبين سمرقند خمسون فرسخا. انظر ((ياقوت الحموي)) في ((معجم البلدان))، (٤/ ٢٥٣).
(٦) ابن العماد: ((شذرات الذهب))، (٣/ ١٩٤).
(٧) محمد عبد الله عنان: ((الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية))، (ص ١١٥).
(٨) محمد كامل حسين: ((طائفة الدروز))، (ص ٧٨).
(٩) محمد عبد الله عنان: ((الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية))، (ص ١١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>