للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجه آخر أن ابن آدم غرض الباري من جميع المخلوقات، فلما صح عند ذوي العلم والمعرفة والفهم، أن ابن آدم أفضل الأشياء كلها وجب أن يحتجب الباري جلت قدرته في أجل الأشياء، واحتجب بأشرف المخلوقات، واحتجب بأعلم الأشياء، فنعوذ بالمولى من سوء اعتقاد من يعتقد أنه في الأموات، وأيضًا فإن العالم كله ما اختلفوا في أن الباري قادر فأين قدرته لو غاب الدهر كله لا يظهر، أليس يكون عجز عن الظهور؟ وأيضًا فلو ظهر الدهر كله، ثم لم يغب لعجز عن الغيبة، ولو ظهر في كل الظهورات بصورة واحدة وعلى حالة واحدة لكان ذلك عجزًا) (١).

بهذه الطريقة يحاول حمزة ودعاته أن يثبتوا أن ظهور اللاهوت بصورته الناسوتية (الحاكم)، كان رحمة للناس وعدلاً لهم منه، وفي زعمهم أن أهل الأديان الأخرى لا يعبدون إلا العدم الذي لا يسمع ولا ينفع ولا يضر، فكان ظهوره هذا رحمة للموحدين. أما لماذا تسمى الحاكم – (الإمام)؟ فيجيبنا حمزة على ذلك بقوله: (ولو كان في العالمين شيء أفضل من الإِمامة، لكان المولى جل ذكره في ظاهر الأمر تسمى به، فلما لم يظهر في الناسوت إلا باسم الإِمامة علمنا أنه أجل أسماء المولى جلت قدرته) (٢).وعن نهي الحاكم تقبيل الأرض بين يديه، وتأويل ذلك، تجيب عنه (الموسومة برسالة النساء الكبيرة) إذ تقول: (ألم تسمعن ما تلي عليكم في السجل المكرم أيضا، بالنهي عن تقبيل الأرض بين يدي مولانا جل ذكره، ألم تعلمن أن الأرض هي الأساس، وأن التقبيل أخذ علمه، وقد نهاكن عن ذلك) (٣).

وفي شرح (ميثاق ولي الزمان) يشرح قول حمزة في الميثاق: (وأنه لا يعرف شيئًا غير طاعة مولانا جل ذكره) بقوله:

المعرفة ها هنا بالفعل لا بالعلم، يعني أنه لا يدخل في عبادة الحاكم سبحانه ولا يعتقد سواه، كقوله: لم أعرف غيره ولم أتوجه إلا إليه، وكقوله: لم ينطلق في الدعوة الشركية ولا يعرف غير الدعوة اللاهوتية. والطاعة هي العبادة، لأن العبادة في هذا الموضع تأليه وتقديس، وفي غير هذا الموضع العبادة هي الاتباع والطاعة مطلقًا، ويجوز للعبد أن يقول عن نفسه: أنه يعبد الإِمام أي يتبعه ويطيعه، كقوله: (إن كنتم إياه تعبدونه) (٤) أي تطيعون وتتبعون.

وإنما أظهر لنا الناسوت رفقًا بنا وطمأنينية لقلوبنا، لأن ليس في طاقتنا مقابلة الأهوة. وقال: ولو انكشف لها معرفة مبدعها من غير تأنيس ولا تدريج لصعقت لقدرته وخرت، فلو تجلى جل جلاله للخلق من حيث هو لتلاشى كل شيء لعظم إشراق ضوء شعاع نور الأهوة. ويجب على من أقر بصورة الناسوت أن يعلم علما يقينا أن اللاهوت فيها غير منفصل عنها كقوله: إن الحجاب هو المحجوب، والمحجوب هو الحجاب ذلك هو، وهو ذلك لا فرق بينهما، وكقوله لا يغيب اللاهوت عن الناسوت، ومثل الناسوت في اللاهوت مثل الخط من المعنى، فالخط مثل الناسوت) (٥).

ولا يزال الدروز حتى الآن يؤمنون ويقولون بهذه الأقوال، من هؤلاء الدكتور سامي مكارم الذي يقول:


(١) ((رسالة من دون قائم الزمان والهادي إلى طاعة الرحمن)).
(٢) ((رسالة الصيحة الكائنة)).
(٣) الموسومة برسالة النساء الكبيرة.
(٤) يشير إلى الآية الكريمة وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * فصلت: ٣٧ *.
(٥) ((شرح الميثاق)): كاتبه محمد حسين. مخطوط في جامعة شيكاغو (رقم ٣٧٣٧): ويوجد شريط عنه في الجامعة الأردنية (رقم ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>