للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكي يبرهن دعاة الدروز على أن عبادتهم وتأليههم للحاكم هي العبادة الصحيحة، يحاولون أن يثبتوا أن عبادة جميع أهل النحل والأديان الأخرى، هي عبادة عدم، لأنها بلا معرفة ولا مشاهدة. يقول المقتني بهاء الدين في (الرسالة الموسومة بالشافية لنفوس الموحدين) ما يلي: وذلك أن جميع أهل النحل والأديان يعترفون بالمعبود وينكرون إذا دعوا إلى حقيقته – الوجود – كما قال: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا) (١)، أي يقرون أن لهم باريا، فإذا دعوا إلى معرفة توحيده أنكروا وجوده، وكلهم أعني من قدمت ذكره من جميع أهل النحل والأديان يوجبون على أنفسهم عبادة يرجون بها ثوابه ويفرون بها من عقابه، والعقل يقطع ويشهد ويوجب أن الثواب لا يصح ولا يثبت إلا من بعد معرفة المثيب إذ كان الخلق إلى معرفة المثيب هم أحوج منه إلى معرفة ثوابه، وأيضًا جميع أهل الشرع والمذاهب المتقدمة. وأيضًا فإن كان معدومًا فقد سقطت الحجة عن جميع الخلق وكان الكل معذورين في توقفهم عن طلب الحق، ويؤيد ما ذكرته ما تقدم به الخلق من أقوالهم، أن الله لا يحتجب عن خلقه لكن حجبته عنهم أعمالهم) (٢).

وفي هذا المعنى أيضًا يقول في (رسالة من دون قائم الزمان والهادي إلى طاعة الرحمن) ما يلي: (وجميع العالم على شك، والشك هو الكفر لأنهم يعبدون من لا يسمع ولا يُسمع، ولا يضر ولا ينفع، ولا يدرون هل عبادتهم مراده، أو أراد منهم شيئًا مما أجازته عقولهم. وأيضًا فقد تقدم القول بأن المولى جل ذكره عادل غير جائر، تعالى وجل عما يقوله الملحدون علوا كبيرا، فأي عدل يقتضي أن يكون فوق سبع سموات على كرسي فوق السماء السابعة كما يزعم المشركون (٣)، وقد كلفنا مع هذا عبادته ومعرفته، فهل في وسع أحد أن يعرف ما خلف الجدار الذي هو أقرب إليه من كل قريب إن لم يكشف عنه وينظره بعينه، فنعوذ بالمولى أن ننسبه أنه احتجب بهذه الحجبة، ثم كلفنا مع ذلك عبادته ومعرفته، بل ظهر تعالى بهذه الصورة الناسوتية التي تشاكلنا من حيث المجانسة والمقابلة، فهذا نفس العدل.


(١) يشير إلى الآية الكريمة يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ * النحل: ٨١ *.
(٢) ((الرسالة الموسومة بالشافية لنفوس الموحدين)).
(٣) لقد حرصت منذ بداية البحث حتى الآن على ضبط النفس. والمناقشة الهادئة، على كثرة ما مر بي من مخالفة للعقل أو النقل. وأما هاهنا، فإن هذا الكلام لا أجد مجالا للسكوت عنه، وإلا فكيف يعتبر شركا من أثبت لله جل وتعالى ما أثبت هو لنفسه من العلو المطلق فوق سبع سماوات، والآيات في كتاب الله صريحة الدلالة، كما أن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تثبت هذا في المواضع الكثيرة. وأي مخالفة للعقل في قول ذلك؟ إذا قلنا أن الله سبحانه وتعالى منزه عما نسبتم إلى عبد من مخلوقاته الحاكم أو غيره؟ وجعلتم ذلك شركا، فيا سبحان الله فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور* الحج:٤٦* المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>