للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصدًا إلى حجر أسود وبيت جلمد ليس فيه حياة ولا نطق، فأي عجب أعجب من قوم هذا فعلهم ثم إنهم أنكروا على هذه الطائفة النورانية المضيئة، أعني أهل التوحيد عبادة الواحد المجيد الحاكم على كل الأشياء شهيد، فياليت شعري ما نفعهم من تقبيل الحجر الأسود وما اكتسابهم من الفوائد العقلية والعلوم الحقيقية الإِلهية، هل فعلهم إلا كفعل النصارى في الصليب، بل هم أشد عتوا، لأن الصليب موجود في كل البلاد، والحجر الأسود يسافر إليه أهل الضلالة من جميع العباد، وقبل وبعد، فإنما عظموا إكرامًا بزعمهم لنبيهم، أليس من قام مقام نبيهم في كل عصر وزمان أحق بالتفضيل والإِكرام والتبجيل؟ أليس هذا في العقول مستحيل؟ بأن قوما طلبوا إلههم طول أعمارهم لم يصح لهم منهم إلا اسما إذا كشف عنها لم يجد لها حقائق إلا بوجود صورة حية ناطقة مميزة، فلما ظهر المعبود وصح ما أشارت إليه الحدود أبوا واستكبروا وقالوا: إن هذا إلا بشر مثلنا وغرهم المولى جل ذكره الغرور) (١).

وتعظيمهم للصدق، لا يعني ذلك على غير الموحدين، فالصدق لا يكون من الموحد إلا لأخيه الموحد، ولا يجوز أن يصدق أهل الطوائف والأديان الأخرى حتى ولو كان ذلك في جريمة قتل، بل يجب عليه الكذب، تقول رسالة (الجزء الأول من السبعة أجزاء): (وليس يلزمكم أيها الأخوان أن تسدقوا لسائر الأمة أهل الجهل والغمة والعمى والظلمة، وأن لا يلزمكم فيه شيئًا لهم. وليس لأحد من الموحدين فسحة من الكذب لإِخوانه إلا أن يكون هناك ضد حاضر لا يمكن كشف الأمور إليه، ولا شرحها بين يديه، وإن أمكن الصمت فهو أحسن، وإن لم يكن فلا بأس أن يحرف القول بحضرته أعني الضد، ويجب عليه أن يرجع بسدق الحديث لإِخوانه بعد خلوهم من الشيطان. ولا بأس بالسدق فيما لا يضر عند الأضداد لأنه يرفع، وهو ضرب من ضروب الجمال، ومثل أن يكون أحدكم قد قتل رجلاً من عالم السواد، فإذا سألوه عن ذلك جاز أن لا يسدقهم وألا يحققوا عليه القتل بإقراره، وأقاموا عليه الشهادة بقلة إنكاره، وما أشبه ذلك مثل أن يكون قد أخذ لأحدهم شيئًا أو غصبه على ريع أو مال، أو كان للضد عنده دين بغير وثيقة أو وديعة بغير بينة، وكان معسرًا عن وفائه غير واصل إلى رضائه، يجوز له الإِنكار وقلة السدق عند الإِعسار، وخيفة من ثبوت البينة عليه) (٢).وجاء في مصحفهم حديث عن المحرمات المحرمة عليهم فيقول: (ولقد حرم مولاكم عليكم الخمرة، ومن يتخذها سكرا، فقد خلف خلفا أضاعوا الرشد واتبعوا الشهوات) (٣)، فاذكروا يا أولي الألباب.

ولا تقرضوا أموالكم لتأخذوا الربا أضعافًا مضاعفة، إن ذلك كان على الموحدين محذورا، ولقد عفا مولاكم عن الذين يأخذونه من غير الموحدين، مضطرين غير عادين.

وإن أحد من الموحدين استجاركم، فأجروه، ثم أبلغوه مأمنه، أو أصابته مصيبة، فكلكم يكفله، إنما الموحدون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، وكان مولاكم بما تعملون خبيرا. ولا تركنوا للذين رفضوا الدعوة واستكبروا إنهم إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاَّ ولا ذمة، يقولون بأفواههم الحق وتأبى قلوبهم (٤)، وأكثرهم فاسقون، فاعتبروا يا أولي الألباب.


(١) رسالة من دون قائم الزمان.
(٢) رسالة الجزء الأول من السبعة أجزاء.
(٣) يلاحظ هنا كيفية تحريف الآية الكريمة فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ * مريم: ٥٩ *.
(٤) كذلك يلاحظ كيفية تحريف هذه الآية كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ *التوبة: ٨*.

<<  <  ج: ص:  >  >>