والجواب عن هذه الشبهة السقيمة أن نقول: إن الآية الكريمة نص في أن لا نبي بعده وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة فإن كان كل رسول نبي ولا ينعكس لأنه يلزم من ختم النبوة وهي الأعم ختم الرسالة وهي الأخص وذكر ذلك أكثر المفسرين وهذا من بلاغة القرآن ودقة تعبيره حيث لم يقل وخاتم المرسلين لأنه لو قال كذلك لقال المتنبئون الكذابون ولم يقل وخاتم النبيين على اعتبار خصوصية الرسالة ولكن الله قطع عليهم الطريق بقوله: وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:٤٠]. لأن الرسالة مبنية على النبوة فإذا احتجبت النبوة احتجبت الرسالة معها وهذا على القول بالفرق بين النبي والرسول كما هو قول الجمهور قائلين إن النبي من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه وقال بعضهم: إنهما مترادفان فلا فرق بينهما واستدلوا بالآيات والأحاديث التي أطلقت لفظ الرسول والنبي على رجل واحد فإذا كانا مترادفين فلا مستمسك للبهائية والقاديانية بأنه لم يقل وخاتم النبيين كما لا يخفى.
الجواب الثاني أن نقول: ذكر الله في القرآن آيات كثيرة تدل على انقطاع النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، منها قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة:٣] الآية، فإنها دلت على أنه تعالى أكمل لهذه الأمة دينه من جميع الوجوه بحيث يكفي لكافة الورى إلى يوم الدين فلا حاجة لها إلى نبي بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ولا إلى دين غير دينها كما صرح به ابن كثير وعامة المفسرين وبالجملة فهذه الآية صرحت بختم النبوة وبه تجلى لك معنى الآية المذكورة.
ومنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:١٥٨] فقد صرح بعموم بعثته لكافة الورى إلى يوم القيامة وهو إعلان بختم النبوة بعده عليه السلام.
ومنها قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ:٢٨]. دلت على عموم البعثة وختم النبوة.
ومنها قوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:١٠٧] فإنه عليه السلام لما كان رحمة للعالمين كافيا في هدايتهم فلا يحتاجون إلى الإيمان برسول أو نبي بعده بل جريان النبوة بعده عليه السلام يستلزم أن يكفر من أمته من لم يؤمن بأنبياء ما بعده بعدما آمن به عليه السلام واتبعه وعمل بشريعته وحينئذ لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع العالمين فقد صرحت الآية بختم النبوة بعده عليه السلام وبالجملة فغير آية من القرآن دلت على أن المراد بكونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين آخرهم أجمعين من دون تأويل ولا تخصيص أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:٢٤]
الشبهة الثالثة والجواب عنها
هي أن قوله تعالى: خَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:٤٠] بمعنى الزينة وهي الحلي المعروف وليس معنى الآية آخر النبيين كما يقول المسلمون.
والجواب: عجبا لهؤلاء الأعاجم الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ولا يسمعون بل ما زالوا في غيهم يعمهون أما علموا أن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين ويؤخذ تفسيره أولا من القرآن نفسه لأنه إذا أجمل في آية فصلها في آية أخرى وقد ألف العلماء في تفسير القرآن بالقرآن تفاسير عديدة.