للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذوا يتفننون في بيان مفهوم ختم النبوة على معان مختلفة وتأويلات ملفقة، منها: أن الله تعالى حين يكرم أحداً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويوصله إلى درجة الوحي والإلهام والنبوة فإنه - ومع تسميته نبياً - لا يتعارض هذا المفهوم - مع مفهوم ختم النبوة - إذ إن الشخص لا يزال من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومن أتباعه، ولكن ينتقض هذا المفهوم إذا ادعاه شخص من غير أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فحينئذ يتعارض قوله تماماً مع ختم النبوة (١). ويقول بشير محمود: (إننا نرفض النبوة المباشرة عن غير توسط الرسول صلى الله عليه وسلم رفضاً باتاً؛ ولذلك نرفض ظهور المسيح الناصري بعينه، لكننا لا ننكر النبوة التي تضاعف كرامة النبي صلى الله عليه وسلم وتزيدها سمواً وعلواً) (٢). وقد أخذ بشير هذا المفهوم عن والده، حيث قال الغلام في ضميمة الوحي: (وإن قال قائل: كيف يكون نبي من هذه الأمة وقد ختم الله على النبوة؟) وهذا سؤال مهم جداً، ولكن كيف كان جواب الغلام عنه؟ لقد أجاب بما لا مقنع فيه لأحد، وحاد عن الحق وألحد فيه، فقال: (فالجواب أنه عز وجل ما سمى هذا الرجل نبياً إلا لإثبات كمال نبوة سيدنا خير البرية، فإن ثبوت كمال النبي لا يتحقق إلا بثبوت كمال الأمة (٣)، ومن دون ذاك ادعاء محض لا دليل عليه عند أهل الفطنة، ولا معنى لختم النبوة على فرد من غير أن تختتم كمالات النبوة على ذلك الفرد، ومن الكمالات العظمى كمال النبي في الإفاضة وهو لا يثبت من غير نموذج يوجد في الأمة" (٤).

والمغالطة في هذا الكلام:

أن النبوة لا تأتي من فيض أحد؛ بل هي تَفَضُّلٌ من الله تعالى على من يشاء من خلقه.

لماذا لا يكون النموذج الذي يدعيه الغلام عاماً؛ بحيث يحق لكل شخص أن يتصف به، فكيف احتكره القادياني بدون أن يذكر أي مبرر له.٢ - أن معنى القول بختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم: (أنه قد تمت عليه كمالات النبوة وأنه لا يأتي بعده رسول ذو شريعة جديدة، ولا نبي من غير أمته) (٥)؛ أي أن الانبياء الذين يأتون بعده صلى الله عليه وسلم كلهم يعتبرون من أمته، وهذا ليس فيه خروج - حسب مفهوم القادياني - عن القول بختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو ما أكده بشير محمود في كتابه (دعوة الأمير) (٦). ولكن الغلام في آخر أمره اخترع له ولأتباعه شريعة جديدة.٣ - أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم هو صاحب الفيوضات الكمالية التي لم يعطها أحد غيره؛ ولذلك سمي بخاتم النبيين (أي أن إطاعته تمنح كمالات النبوة، وأن التفاته الروحي يصنع الأنبياء) (٧).

أي فإذا وجد أن أحداً يدعي النبوة ولم تكن نبوته مصدقة من خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم فإنها لا تكون نبوة صحيحة، مثل الورقة التي تكون رسمية وليس عليها الختم الرسمي، وإذا كانت طاعته صلى الله عليه وسلم تمنح الكمالات والنبوة فإنه يحق لكل شخص متبع للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصف بصفة النبوة، بل كان الصحابة في أول هؤلاء. فهل يستطيع الغلام أن يثبت أن أحداً منهم ادعاها؟ ٤ - أن معنى الختم هنا هو تأخير النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر قرناً لتظهر عظمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي بعد ذلك ما يقتضي إظهار عظمة الإسلام بظهور من تطلق عليه كلمة النبي، لتبقى سلسلة النبوة متصلة الحلقات، ومن هنا أجريت على لسانه صلى الله عليه وسلم كلمة النبي للمسيح الموعود في آخر الزمان (٨)، ويقول بشير محمود: (إن الشريعة لا تُنسخ إلا بالنبوة التشريعية الجديدة المباشرة، لكن النبوة التي تستمد من اتباع النبي الأول وتهدف إلى نشر الشريعة السابقة هي مظهر رائع للنبوة السابقة .. وهي في متناول هذه الأمة) (٩).

٥ - أن الغلام هو ظل للرسول صلى الله عليه وسلم لبقاء النبوة في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وانعكاس ظلية الكمالات المحمدية في الغلام، ومن هنا فلا تأثير في نبوة الغلام على القول بختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم (١٠)، وعلى الناس أن يتركوا عقولهم ويصدقوا هذا الهراء.

المصدر:فرق معاصرة لعواجي ٢/ ٧٦٥ - ٧٦٨


(١) مفهوم نص اورده المودودي في كتابه ((القاديانية)) (ص٣٣)، نقلا عن كتاب ((العين المسيحية)) للميرزا غلام أحمد (ص٤١).
(٢) ((دعوة الأمير- معتقدات الجماعة الإسلامية)) الإسلامية (ص٣٢).مترجم.
(٣) يريد بهذا المفهوم مشابهة قول الباطنية: أن الناطق لا يكمل إلا بوجود السوس والصامت.
(٤) ((ضميمة الوحي)) حاشية (ص١٨).
(٥) ((عين المعرفة)) (ص٩) للغلام، ((ما هي القاديانية)).
(٦) ((دعوة الأمير- معتقد الجماعة الأحمدية الإسلامية)) (ص٣١ - ٣٥).
(٧) ((حقيقة الوحي)) للغلام (ص ٩٦)، ((ما هي القاديانية)).
(٨) إرشاد الميرزا غلام أحمد المندرج في عدد ((جريدة الحكم)) الصادر في (١٧/ ٤/١٩٠٣م). ((القاديانية)) لإحسان.
(٩) ((دعوة الأمير- معتقدات الجماعة الإسلامية)) (ص٣٢).متر جم.
(١٠) ((إزالة الخطأ)) للميرزا غلام أحمد- ((القاديانية)) (ص٣٣ - ٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>