للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس المراد هنا بالأصاغر صغار السن فقد كان عمر رضي الله عنه يستشير الصغار وكان القراء أهل مشورته كهولا وشبانا (١) ولكن الجهلة الذين يقولون برأيهم وبغير فقه في الكتاب والسنة فيضلون ويضلون وأهل البدع أصاغر في العلم. (٢).وقيل الذي يستفتى ولا علم عنده (٣).ولقد جاءت نصوص أخرى تحذر من ترؤس هؤلاء الجهلة وتصدرهم لقيادة الأمة إذ بذلك تجتلب المحن والفتن على المسلمين ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق الرويبضة، قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه في أمر العامة)) (٤).إن ترؤس هؤلاء الأصاغر إضاعة للأمانة مؤذن بقرب قيام الساعة ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سأله أعرابي: متى الساعة؟ قال عليه الصلاة والسلام: ((فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) (٥).يقول ابن حجر: إن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ورفع العلم وذلك من جملة الأشراط ومقتضاه أن العلم ما دام قائما ففي الأمر فسحة وكأن المصنف أشار إلى أن العلم إنما يؤخذ عن الأكابر (٦).وما حدثت الفتنة في الأمة ودبت الفرقة إلا حينما تصدر مثل هؤلاء الناس وقادوهم, وهذا ما حدث في الفتنة على عثمان رضي الله عنه وهذا كان وصف الخارجين عليه المقدمين على قتله, فقد كانوا من الأعراب ومن سفهاء الناس وعامتهم. ولما خرج سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى الخارجين على عثمان ـ وعثمان رضي الله عنه محصورـ فرأى سعد رضي الله عنه رؤساءهم صفق بيديه أحدهما على الأخرى ثم استرجع ثم أظهر الكلام فقال: والله إن أمرا هؤلاء رؤساؤه لأمر سوء (٧).، وصدق رضي الله عنه وهل أسوأ من قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه والذي نتج عن قتله اندلاع الفتن وفشو الفرقة في الأمة الإسلامية. والناظر لأحوال أهل البدع ورؤسائهم المفرقين للأمة شيعا، يجدهم بعيدين عن استيعاب علوم الشريعة جاهلين بفهم معانيها ومعرفة قواعدها ومقاصدها معرضين عن تتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة الصحابة رضي الله عنهم وهذا ما أوقعهم في الاختلاف والفرقة (٨).ويبوب الإمام أبو عمر يوسف بن عبد البر رحمه الله فيمن تأول القرآن وتدبره وهو جاهل بالسنة ثم يقول ... أهل البدع أجمع اضربوا عن السنة، وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة فضلوا وأضلوا نعوذ بالله من الخذلان ونسأله التوفيق والعصمة برحمته (٩).


(١) انظر: ((الاعتصام)) (٤٤٦)، و ((جامع بيان العلم وفضله)) (١/ ٦١٩).
(٢) انظر ((الاعتصام)) للشاطبي (٤٤٦) ((ذم الكلام)) للهروي (٥/ ٧٦) ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) للأباني (٢/ ٣١٠).
(٣) انظر ((جامع بيان العلم)) (١/ ٦١٢، ٦١٨).
(٤) رواه ابن ماجه (٤٠٣٦)، وأحمد (٢/ ٢٩١) (٧٨٩٩)، والحاكم (٤/ ٥١٢). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (١/ ٢١٤): إسناده جيد. وقال أحمد شاكر في ((المسند)) (١٦/ ١٩٤): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(٥) رواه البخاري (٥٩). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٦) ((فتح الباري)) (١/ ١٤٣).
(٧) انظر ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (٣/ ٧٢).
(٨) انظر ((خلق أفعال العباد)) للبخاري (٧٦).
(٩) ((جامع بيان العلم)) (٢/ ١١٩٩) وانظر ((ميزان الاعتدال في النقد الرجال)) للذهبي (٢/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>