للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولجهل أهل البدع نجدهم عند مناظرتهم لأهل السنة العالمين بقول الله وقول رسوله نجدهم ينقطعون ويحيدون في المناظرة بالمنقول من الكتاب والسنة ويقرون على أنفسهم بذلك وأنهم إنما يجيدون الرأي والنظر والقياس فهذا بشر المريسي، لما ناظر الإمام عبدالعزيز بن يحيى الكناني في مسألة خلق القرآن التي يدعيها بشر وكانت المناظرة بحضرة الخليفة العباسي " المأمون" أظهر بشر من الجهل بالقرآن والسنة الشيء الكثير ولما حاد عن المناظرة بنص التنزيل قال: عندي أشياء كثيرة إلا أنه (أي الإمام عبدالعزيز الكناني) يقول بنص التنزيل وأنا أقول بالنظر والقياس فليدع مناظرتي بنص التنزيل وليناظرني بغيره (١).ولا عجب أن يكون هذا حال أصحاب البدع من الجهل بالكتاب والسنة والبعد عن تلقي العلم من السلف الصالح وتصدرهم قبل استيعابهم لما قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم مع دخول الشبهات إليهم فهذا واصل بن عطاء اعتزل حلقة الحسن البصري وكون له حلقة يرأسها يعلم فيها الناس رأيه فضل وأضل (٢).وهؤلاء الخوارج الأزارقة فأول من أظهر البدع الزائدة فيهم رجل يقال له: عبد ربه الكبير وهو بائع رمان وعبد ربه الصغير وهو معلم كتاب (٣). وهذا جهم بن صفوان يُسأل عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها فيفتي بأن عليها العدة فيخالف كتاب الله بجهله فقد قال تعالى: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً [النساء: ٨٨].لذلك يوصي أبو الدرداء رضي الله عنه هذه الوصية العظيمة فيقول: "تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يذهب بأصحابه، العالم والمتعلم شريكان في الخير وسائر الناس لا خير فيهم إن أغنى الناس رجل عالم افتقر إلى علمه فنفع من افتقر إليه، وإن استغنى عن علمه نفع نفسه بالعلم الذي وضع الله عز وجل عنده فمالي أرى علماءكم يموتون وجهالكم لا يتعلمون ولقد خشيت أن يذهب الأول ولا يتعلم الآخر ولو أن العالم طلب العلم لازداد علما وما نقص العلم شيئا ولو أن الجاهل طلب العلم لوجد العلم قائما فمالي أراكم شباعا من الطعام جياعا من العلم (٤).

تنبيهات:


(١) ((كتاب الحيدة)) للإمام عبدالعزيز الكناني (٥٠).
(٢) انظر ((الفرق بين الفرق)) للبغدادي (١١٨).
(٣) انظر ((مقالات الإسلاميين)) لأبي الحسن الأشعري (١/ ١٧٢) ((التبصير في الدين)) للاسفراييني (٥٠).
(٤) ((جامع بيان العلم)) لابن عبد البر (١/ ٦٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>