للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن مخالفة عمل العالم لقوله الذي يدعو إليه قد يصد الناس عن دين الله تعالى خاصة إذا كان عمله ظاهرا لهم, ثم إنه قد يوقعهم في الفتنة من حيث هو عالم فيقتدي بعمله الناس قد يتلبس عليهم من عمله ما هو صحيح موافق للحق بما هو باطل فالله المستعان.٢ـ إن من الجهل: عدم فهم الدليل ووضعه في غير موضعه وهذا نتيجة قصور العلم لذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج بأنهم ((يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم)) (١).يقول ابن تيمية: وكانت البدع الأولى مثل " بدعة الخوارج " إنما هي من سوء فهمهم للقرآن لم يقصدوا معارضته لكن فهموا منه ما لم يدل عليه" (٢).٣ـ من الجهل: المنازعة في المسألة قبل استكمال العلم وإحكامه وجمع حواشيه وأطرافه (٣).، فيظن المسلم أنه بقراءته للقرآن قد استكمل العلم فيذهب للمنازعة وإنكار ما يجهله فلقد أنكرت أم يعقوب على عبدالله بن مسعود لعنه للواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، قالت له: ما هذا؟ قال: "ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله" قالت: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته فقال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: ٧] (٤).لذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يفعله المسلم عند الجهل ببعض العلم فقال: ((ما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه)) (٥). ولم يقل نازعوا فيه أو اعملوا برأيكم أو ردوا ما جهلتم.٤ـ إن من الجهل: أن ينكر الإنسان ما يجهله وما غاب عن علمه خاصة إذا كان مع المخالف فيقع منه التكذيب ببعض الحق ومن الجهل أن يرد بعض الحق الذي يكون مع مخالفه إذا كان مختلطا بالباطل فيؤدي هذا الرد إلى الاختلاف والنزاع (٦).

٥ـ إن من الجهل: الانشغال والاهتمام بالعلوم الدنيوية التي يتحصل المسلم بها على وظيفة ودخل ويكون انشغاله على حساب تعلمه أمور دينه الأساسية فكثيرا ما نجد من المسلمين من بلغ مراتب عالية في العلوم الدنيوية ولكنه قليل العلم في أمور دينه حتى لا يكاد يفرق بين أركان الصلاة وواجباتها فضلا عن مستحباتها فيكون بذلك لقمة سائغة وبيئة خصبة لتقبل البدع ونشرها إذ لا حصانة لديه من العلم الشرعي الصحيح. لهذا يجب على ولاة الأمر والمربين الحرص على تزويد المناهج الدراسية بالعلوم الشرعية الكفيلة بتزويد المسلم كفايته وحاجته مع تعليمهم العلوم الدنيوية فلا تعارض البتة بين الأمرين (٧).


(١) رواه البخاري (٦٩٣١)، ومسلم (١٠٦٤). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(٢) ((الفتاوى)) (٣/ ٢٠).
(٣) انظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) لابن تيمية (١/ ١٦٧).
(٤) رواه البخاري (٥٩٣٩)، ومسلم (٢١٢٥).
(٥) رواه أحمد (٢/ ١٨١) (٦٧٠٢). وصححه الألباني في ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص٢١٨). وقال شعيب الأرناؤوط محقق ((المسند)): صحيح وهذا إسناد حسن.
(٦) انظر ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (١/ ١٥١) ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز الحفني (١/ ١٨٧).
(٧) انظر ((شرح أصول أهل السنة والجماعة)) للالكائي (١/ ٢٦) ((جامع بيان العلم)) لابن عبد البر (٢/ ١١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>