للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويلاحظ أن الأشاعرة جاء تفسيرهم للظلم مواكبا لمذهبهم في القدر، فهم لميلهم إلى مذهب الجبرية، إذا قيل لهم إن قولكم بأن للعبد قدرة غير مؤثرة، نتيجته الجبر، فكيف يعذب الله العباد على ما جبرهم عليه، هذا ظلم، قالوا ليس هذا ظلما لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير أو مخالفة الآمر الذي تجب طاعته، وهذا منتف بالنسبة لله. ولا شك أن هذا التفسير للظلم مخالف للمعروف من لغة العرب، ولما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة التي ورد فيها هذا اللفظ، كما أن قولهم بأن الظلم ممتنع عليه ليس فيه مدح ولا كمال، وإنما المدح والكمال أن يقال: إن الله سبحانه منزه عنه، لا يفعله لعدله، والمدح إنما يكون بترك المقدور عليه، لا بترك الممتنع (١).

تكليف ما لا يطاق:

الطاقة هي الاستطاعة، والخلاف بين الطوائف قائم حول تحديد المقصود بما لا يطاق، هل هو الممتنع عادة، أم المستحيل كالجمع بين الضدين، أو هو كتكليف الكافر وهو لا يؤمن.

وشيخ الإسلام بين أن هذا الخلاف ناتج عن عدم التفريق بين أمرين متعلقين بالنزاع في هذه المسألة:

١ - ما يرجع إلى الفعل المأمور به، وهذا فيما يتعلق بالقضاء والقدر.

٢ - وما يرجع إلى جواز الأمر الشيء، وهذا فيما يتعلق بمسائل الأمر والنهي. والذين خلطوا بين هذين القسمين وقعوا في المحذور، مثل قياس بعضهم أمر الله الكافر بالإيمان مع علمه تعالى أنه لا يفعل، بمسألة العاجز الذي لو أراد الفعل لم يقدر عليه، وجعلهم القسمين قسما واحداً وأنه تكليف بمالا يطاق. فهذا جمع مخالف لما يعلم بالاضطرار من الفرق بينهما، وهو من مثارات الأهواء بين القدرية والجبرية (٢).ولذا يرى شيخ الإسلام أن إطلاق القول بتكليف ما لا يطاق من البدع الحادثة في الإسلام (٣).

وقد وقع الخلاف في تكليف ما لا يطاق على أقوال:١ - جواز تكليف ما لا يطاق مطلقا، ومنه تكليف الأعمى البصر، والزمن أن يسير إلى مكة. وهذا قول جهم بين صفوان (٤).٢ - عدم جواز تكليف ما لا يطاق، وقد منعوه لقبحه عقلا، وهذا مبني على مذهبهم في أن القدرة تكون قبل الفعل فقط، حتى يتحقق التكليف، ومن ثم يترتب عليه الثواب والعقاب، ولذلك منعوا أن تكون القدرة مقارنة لمقدورها، لأن معنى ذلك أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا بما لا يطاق؛ إذ لو أطاقه لوقع منه، فلما لم يقع منه دل على أنه غير قادر عليه، وتكليف ما لا يطاق قبيح، والله لا يفعل القبيح، وهذا قول المعتزلة ومن وافقهم (٥).


(١) انظر في مسألة الظلم والأقوال فيه: ((جامع الرسائل)) (١/ ٢٧ - ١٢٩)، و ((الجواب الصحيح)) (١/ ٢١٩)، ((النبوات)) (ص: ١٤٣) – ط دار الكتب العلمية، ((منهاج السنة)) (١/ ٣١٨) ط دار العروبة المحققة، (١/ ٣٦١) – مكتبة الرياض الحديثة، (٣/ ٢٣ - ٢٦) – ط بولاق، ((مجموع الفتاوى)) (٨/ ٥٠٥ - ٥١٠، ١١/ ٦٧٥ - ٦٧٦)، ((درء التعارض)) (١٠/ ٢٨).
(٢) انظر: ((درء التعارض)) (١/ ٦٤ - ٦٥).
(٣) انظر: ((درء التعارض)) (١/ ٦٥).
(٤) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (٨/ ٢٩٧).
(٥) انظر: ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: ٣٩٦)، و ((المختصر في أصول الدين)) لعبد الجبار الهمذاني (ص: ٢١٨)، و ((نظرية التكليف)) عبدالكريم عثمان (ص: ٣٠١)، و ((شرح المواقف)) (ص: ٣٣١) – الجزء المحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>