يقول السفاريني:( .. وأما مذهب السلف الصالح المثبتون للقدر من جميع الطوائف فإنهم يقولون إن العبد فاعل لفعله حقيقة وإن له قدرة واستطاعة حقيقية ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله تعالى ينبت النبات بالماء، وأن الله يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب، ولا يقولون القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها بل يقرون بأن لها تأثيرًا لفظًا ومعنى، ولكن يقولون هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها والله تعالى خالق السبب والمسبب) فالسلف يثبتون فاعلية لقدرة الإنسان، وأثرًا للأسباب الطبيعية ولكن يشترطون عدم استقلالية الفاعلية والأثر وهذا هو ظاهر القرآن الذي أثبت للإنسان فعلاً، وللماء أثرًا وهكذا والجميع في النهاية يكون بخلق الله، فالخلق يتم في بعض صوره بوسائط هي قوى أودعها الله في مخلوقاته، فهو يخلق الأسباب ببعضها. يقول ابن تيمية:(والله سبحانه خلق الأسباب والمسببات وجعل هذا سببًا لهذا، فإذا قال القائل: إن كان مقدورًا، حصل بدون السبب وإلا لم يحصل جوابه أنه مقدور بالسبب وليس مقدورًا بدون السبب .. ودلل على ذلك بالأدلة) ومعنى ذلك أنه لا غنى للأسباب عن المسببات ولا المسببات في غنى عن الأسباب، لكن الأسباب ليست علة تامة تستقل بإحداث المسببات ( .. ومعلوم أنه ليس في المخلوقات شيء وحده علة تامة وسببًا تامًا للحوادث بمعنى أن وجوده مستلزم لوجود الحوادث، بل ليس هذا إلا لمشيئة الله خاصة). وهذا هو الإنصاف الذي جاء به القرآن في نسبة الفعل والإحداث، فهو لم يغلُ في نسبته إلى الطبيعة بإنكار صنع الإله الحق كما أنه لم يقض على ما يشاهده الناس بعيونهم ويجربونه بأنفسهم بإلغاء أثر القوى الكامنة في الطبيعة فأثبت الجميع وقال للإنسان:(وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) الإنسان: ٣٠، أي لا يتحقق لك صنع وعمل باستقلال حتى أشاء أنا (وهو الذي قدر الأشياء وقضاها ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره وكتبه في اللوح المحفوظ).