للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين أن كثيراً من الفرق قد باينت جميع الفرق الأخرى فيما اختصت به من أقوال فالخوارج باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا به من التكفير بالذنوب ومن تكفير علي رضي الله عنه ... وغير ذلك مما انفردوا به من أقوال. وكذلك المعتزلة باينوا جميع الطوائف فيما اختصوا به من "المنزلة بين المنزلتين" وقولهم أن أهل الكبائر يخلدون في النار، وليسوا بمؤمنين ولا كفار، وهكذا جميع الفرق، فلا اختصاص للرافضة بذلك. ثم قال في "الوجه السابع": "إن مباينتهم لجميع المذاهب هو على فساد قولهم أدل منه على صحة قولهم، فإن مجرد انفراد طائفة عن جميع الطوائف لا يدل على أن – قولها – هو الصواب، واشتراك أولئك في قول لا يدل على أنه باطل" (١).وكيف يتخذ الاختلاف والإغراق في الابتعاد عن الآخرين أساساً لنجاة؟ ولو اتبعنا هذا الأساس لكان الإغراق في الإلحاد أساساً للنجاة، بل لكان التخريف أو تخيلات المجانين أكثر قرباً للنجاة؛ لأنها أكثر ابتعادا عن أراء الأخرين (٢).وأما استدلاله بحديث "سفينة نوح" فهو يتوقف على صحة الحديث، والحديث ضعيف كما ذكر ذلك الذهبي، والألباني (٣)، ولا عبرة بقول الطوسي: "أنه حديث صحيح متفق عليه" فليس هو من أهل هذا الشأن.

والمعروف أنه من قول الإمام بلفظ "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخالف عنها هلك".قال شيخ الإسلام في إيضاح معناه: "وهذا حق فإن سفينة نوح إما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم، وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين، وأتباع السنة هم أتباع الرسالة التي جاءت من عند الله فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح في السفينة باطناً وظاهراً، والمتخلف عن أتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن أتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة" (٤).

والمعتزلة: يزعمون أنهم أهل الحق وأنهم الفرقة الناجية، يقول مقدمهم وكبيرهم عمرو بن عبيد للخليفة المنصور – وقد سأله أن يعينه بأصحابه -: "أظهر الحق يتبعك أهله" (٥) يريد المعتزلة. فما على المنصور إذا أراد معونتهم إلا أن يرفع رايتهم ويظهر مذهبهم. ويستدلون على أنهم الفرقة الناجية برواية محرفة لحديث الافتراق فقالوا: روى سفيان الثوري عن ابن الزبير عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أبرها وأتقاها الفئة المعتزلة) ولعلهم شعروا بتفردهم بهذه الرواية فاتهموا سفيان بأنه قال لأصحابه: "تسموا بهذا الاسم لأنكم اعتزلتم الظلمة، فقالوا: سبقك بها عمرو بن عبيد وأصحابه – قالوا -: فكان سفيان بعد ذلك يروي: واحدة ناجية" (٦).


(١) ((منهاج السنة)) (٣/ ٤٦٦).
(٢) د. عبدالحليم محمود، ((التفكير الفلسفي في الإسلام)) "ط. الثالثة ١٣٨٧هـ، نشر: مكتبة الأنجلو المصرية"، (ص: ٩٩).
(٣) رواه الحاكم في ((المستدرك)) (٢/ ٣٧٣) (٣٣١٢) والطبراني (٣/ ٤٥) (٢٦٣٧) من حديث أبي ذر رضي الله عنه, قال ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (٢/ ٩٦٢): (فيه) الحسن بن أبي جعفر متروك الحديث, وقال ابن كثير في ((التفسير)) (٧/ ١٩١): إسناده ضعيف, وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (٩/ ١٧١): في إسناد البزار, الحسن بن أبي جعفر الجفري وفي إسناد الطبراني, عبد الله بن داهر وهما متروكان. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (٥٢٤٧).
(٤) ((الفتاوى)) (٤/ ١٣٧).
(٥) الخطيب البغدادي: ((تاريخ بغداد)) (١٢/ ١٦٨).
(٦) ابن المرتضى أحمد بن يحيى، ((المنية والأمل)) (ص: ٢ - ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>