للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهؤلاء نقول: من مذهبكم عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في باب الاعتقاد، فكيف سوغتم لأنفسكم الاحتجاج بهذا الحديث مع اتهامكم راوية سفيان بأنه تصرف في الحديث بوضع عبارة مكان أخرى؟ ولكن، لا غرابة فإن إحدى علامات أهل البدع: أنهم يأخذون من السنة ما وافق أهواءهم، صحيحاً كان أو ضعيفاً، ويتركون ما لم يوافق أهواءهم من الأحاديث وإن صح وأخرجه الشيخان! (١) ".

ويزعم المعتزلة أنهم هم المتمسكون بالسنة والجماعة دون غيرهم مع قولهم بعدم حجية حديث الآحاد. فقد جاء في كتاب (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة) (٢) قولهم:

" ... ومعنى السنة إذا أضيفت إليه صلى الله عليه وسلم؛ هو ما أمر به ليدام عليه، أو فعله ليدام الاقتداء به، فما هذا حاله يعد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يقع هذا الاسم على ما ثبت أنه قاله أو فعله، فأما ما ينقل من أخبار الآحاد فإن صح فيه شروط القبول، يقال فيه: أنه سنة على وجه التعارف؛ لأنا إذا لم نعلم ذلك القول أو ذلك الفعل فالقول بأنه سنة يقبح؛ لأنا لا نأمن أن نكون كاذبين في ذلك، وعلى هذا الوجه لا يجوز في العقل أن يقول في خبر الواحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعاً، وإنما يجوز أن يقال: روي عنه صلى الله عليه وسلم.

وأما الجماعة: فالمراد به ما أجمعت عليه الأمة، وثبت ذلك من إجماعها، فأما ما لم يثبت مما لم يجز التمسك به فهو بمنزلة أخبار الآحاد، وإذا صح ما ذكرناه فالمتمسك بالسنة والجماعة هم أصحابنا والحمد لله دون هؤلاء المشنعين".

وهكذا سائر الطوائف والفرق، فما من طائفة إلا وتدعي أنها الناجية، وأن الحق معها، وتستكره النصوص على تأييد مذهبها، كما فعلت الشيعة والمعتزلة، كما أوضحنا ذلك.

الأشاعرة:

لا يفتأ أئمة الأشاعرة يذكرون في كتبهم أنهم أهل السنة وأهل الحق، وأنهم هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية ... وهذا أمر لا يخفى على من قرأ كتبهم، وأنا أذكر فقط نماذج من كلامهم في ذلك على مر العصور:

- كلام أبي بكر الباقلاني "ت ٤٠٣هـ وهو من تلاميذ أبي الحسن الأشعري: قال مثلاً في صفة الكلام التي خالفوا فيها السلف من أهل الحديث والسنة: "اعلم أن الله تعالى متكلم، له كلام عند أهل السنة والجماعة، وأن كلامه قديم ليس بمخلوق ولا مجعول ولا محدث بل كلامه قديم صفة من صفات ذاته، كعلمه وقدرته وإرادته ونحو ذلك" (٣).

ثم قال في موطن آخر: "فإن قالوا: أليس تقولون إن كلام الله مسموع بحاسة الآذان على الحقيقة؟ قلنا: بلى، فإن قالوا: فليس يجوز أن يكون مسموعاً على الحقيقة؛ إلا ما كان صوتاً وحرفاً. فالجواب: أن هذا جهل عظيم، وذلك أن أهل السنة والجماعة قد أجمعوا على أن الله تعالى يرى بالأبصار على الحقيقة، ولا يجوز أن يرى على الحقيقة إلا ما كان جسماً وجوهراً وعرضاً، أفتقولون إن الله تعالى، جسم وجوهر وعرض، فإن قالوا: نعم فقد أقروا بصريح الكفر والتشبيه، وإن قالوا: يرى وليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا يشبه شيئاً من المرئيات، قلنا: فكذلك كلامه قديم ليس بمخلوق ومسموع على الحقيقة، وليس بحرف ولا صوت" (٤).


(١) انظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)) (٢/ ٦٢٨ - ٦٢٩).
(٢) لأبي القاسم البلخي، والقاضي عبدالجبار، والحاكم الجشمي (ص: ١٨٥ - ١٨٦)، "نشر: الدار التونسية للنشر".
(٣) انظر: ((الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به)) (ص: ١٠٨)، "ط. الثانية ١٣٨٢هـ. نشر: مؤسسة الخانجي".
(٤) ((الإنصاف)) (ص: ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>