للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول رحمه الله في معرض كلامه عن درجات الجهمية: "وأما الدرجة الثالثة فهم: الصفاتية المثبتون المخالفون للجهمية لكن فيهم نوع من التجهم كالذين يقرون بأسماء الله وصفاته في الجملة، لكن يردون طائفة من أسمائه وصفاته الخبرية، أو غير الخبرية ويتأولونها كما تأول الأولون صفاته كلها، ومن هؤلاء من يقر بصفاته الخبرية الواردة في القرآن دون الحديث كما عليه كثير من أهل الكلام. ومنهم من يقر بالصفات الواردة في الأخبار أيضاً في الجملة لكن مع نفي وتعطيل لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول وذلك كأبي محمد بن كلاب، ومن اتبعه وفي هذا القسم يدخل أبو الحسن الأشعري، وطوائف من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف، وهؤلاء إلى أهل السنة المحضة أقرب منهم إلى الجهمية والرافضة والخوارج، لكن انتسب إليهم طائفة هم إلى الجهمية أقرب منهم إلى أهل السنة المحضة، فإن هؤلاء ينازعون المعتزلة نزاعاً عظيماً فيما يثبتونه من الصفات ... ، وأما المتأخرون فإنهم والوا المعتزلة وقاربوهم وقدموهم على أهل السنة والإثبات وخالفوا أوليهم ... " (١).وقال في (شرح الأصفهانية): "وأن الأشعرية أقرب إلى السلف والأئمة وأهل الحديث. – وقال -: عن متأخري الأشاعرة: فإن كثيراً من متأخري أصحاب الأشعري خرجوا عن قوله إلى قول المعتزلة أو الجهمية أو الفلاسفة ... " (٢).

والذي أراه أنه لابد من التفصيل التالي في اعتبار الأشاعرة من أهل السنة أو إخراجهم عنهم، ولا يطلق عليهم أنهم أهل السنة أو من أهل السنة بإطلاق؛ لأنهم ليسوا على السنة المحضة في كثير من أمور السنة في الاعتقاد، ولا يطلق أنهم ليسوا من أهل السنة؛ لأنهم يدخلون في مسمى أهل السنة بالاعتبارات الآتية:

١) هم من أهل السنة: بالمعنى العام لمصطلح أهل السنة، والذي يدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام عدى الرافضة. كما تقدم لنا في مبحث تعريف أهل السنة.

٢) وهم من أهل السنة: في أمور العبادات والعمليات؛ لأن السنة تشمل أمور الاعتقاد والعبادة والأعمال. كما تقدم نقل قول شيخ الإسلام ابن تيمية وفيه: "ولفظ السنة في كلام السلف يتناول السنة في العبادات، وفي الاعتقادات ... ".

والأشاعرة في أمور العبادات ليس لهم من الأقوال ما يخرجهم عن أهل السنة في الجملة.

فبهذه الاعتبارات يعد: الأشاعرة من أهل السنة. ولكن لما كان اسم "أهل السنة" إذا أطلق فهم منه أمور العبادات والاعتقادات جميعاً، بل هو بأمور الاعتقاد أخص، كما قال شيخ الإسلام في معنى "أهل السنة": "وقد يراد به: أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله، تعالى، ويقول القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة" (٣).

ورأينا الأشاعرة ليسوا على السنة المحضة في كل أبواب الاعتقاد، ومسائله التي ذكرها الإمام أحمد طرفاً منها وبين أن من خالف فيها لا يعد من أهل السنة كما سيأتي فهل نقول: هم من أهل السنة؛ لأنهم وافقوا السنة في بعض أبواب ومسائل العقيدة، أم نسحب عنهم هذا الاسم لمخالفتهم للسنة في بعض المسائل والأبواب؟ هذا مناط الخلاف في كونهم من أهل السنة أو ليسوا من أهلها.


(١) ((رسالة التسعينية ضمن المجلد الخامس من الفتاوى الكبرى)) (ص: ٤٠ - ٤٢)، "ط. كردستان العلمية بالقاهرة سنة ١٣٢٩".
(٢) ((شرح الأصفهانية)): بتقديم: حسنين محمد مخلوف (ص: ٧٧ - ٧٨)، نشر: دار الكتب الحديثة بمصر.
(٣) وانظر: ((منهاج السنة)) (٢/ ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>