للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن تغاضى عن المسائل التي خالفوا فيها أهل السنة، قال هم من أهل السنة؛ لأنهم من أهل السنة في أبواب العبادات ولم يخرجوا عن اعتقاد أهل السنة في كل أبواب الاعتقاد. وعلى هذا يخرج عد السفاريني وغيره إياهم من أهل السنة.

ومن رأى أنه لا يستحق اسم "أهل السنة" إلا من وافق السنة في أمور العبادات والاعتقادات، ومن خالف مذاهب أهل السنة وسلف الأمة في شيء من ذلك ولا سيما في أبواب الاعتقاد، فإنه لا يستحق اسم "أهل السنة".

قال: ليس الأشاعرة من أهل السنة، وعلى هذا يخرج قول من قال: ليسوا من أهل السنة كالإمام السجزي والشيخ بابطين وغيرهما.

وربما وجد ما يؤيد هذا الاتجاه في كلام أئمة السلف، حيث عدد كثير منهم مسائل الاعتقاد التي يكون المرء إذا استكملها من أهل السنة، وإن أخل بشيء منها فليس هو من أهل السنة، وذلك مثل: قول الإمام أحمد: "هذه مذاهب أهل العلم، وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها، المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت من علماء الحجاز، والشام وغيرهما عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها، أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة زايل عن منهج السنة وسبيل الحق، فكان قولهم: أن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص ... " (١). ثم ذكر جملة اعتقاد أهل السنة. وقول علي بن المديني: " .. السنة اللازمة التي من ترك منها خصلة لم يقلها، أو يؤمن بها لم يكن من أهلها: الإيمان بالقدر خيره وشره ثم تصديق الأحاديث والإيمان بها ... إلى آخر الاعتقاد" (٢).

وقول عبدالله بن المبارك: "أصل اثنين وسبعين هوى: أربعة أهواء فمن هذه الأربعة الأهواء تشعبت الاثنان وسبعون هوى القدرية، والمرجئة والشيعة والخوارج.

فمن قدم أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتكلم في الباقين إلا بخير ودعا لهم، فقد خرج من التشيع أوله وآخره.

ومن قال: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص فقد خرج من الأرجاء أوله وآخره.

ومن قال الصلاة خلف كل بر وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف ودعا لهم بالصلاح فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره. ومن قال: المقادير كلها من الله عز وجل خيرها وشرها يضل من يشاء ويهدي من يشاء؛ فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنة ... " (٣).وقول: عبيدالله بن بطة العكبري: "ونحن ذاكرون شرح السنة ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمى بها واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحذر منه من أهل البدع والزيع فما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة منذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا. – ثم ذكر الإيمان والصفات والقدر وغيرها من أمور الاعتقاد- ... " (٤).

فكلام هؤلاء الأئمة المعتبرين المقتدى بهم صريح في أن أحداً لا يرقى ولا يتأهل لحمل لقب "صاحب سنة" أو أنه "من أهل السنة"؛ إلا إذا تحققت فيه خصال السنة التي أجمعوا عليها.


(١) ((السنة)) (ص: ٣٣).
(٢) اللالكائي، ((شرح أصول أهل السنة)) (١/ ١٦٥).
(٣) ابن أبي يعلى، ((طبقات الحنابلة)) (٢/ ٤٠).
(٤) ((الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة)) (١٧٥ - ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>