أما من رأى من أهل العلم أن من خالف السنة في باب من أبواب الاعتقاد ووافقها في باب آخر فهو من أهل السنة فيما وافق فيه السنة، وليس منهم فيما خالفهم فيه، وذلك من باب أن المرء يمدح بقدر ما فيه من موافقة السنة، ويذم بقدر ما فيه من مخالفتها، وأن إخراج قوم من مسمى "أهل السنة"؛ لأنهم خالفوا السنة في باب دون باب، فيه مجانبة للعدل والإنصاف، من رأى هذا الرأي قال مثلاً: الأشاعرة من أهل السنة في أبواب الإيمان والعقيدة التي لم يخالفوهم فيها، وليسوا منهم في باب الصفات وما خالفوا فيه.
والذي أميل إليه: أن لا يقال: "الأشاعرة من أهل السنة" إلا بقيد، فيقال: هم من أهل السنة في كذا، في الأبواب التي لم يخالفوا فيها مذهب أهل السنة.
لأننا إذا أطلقنا القول بأنهم من "أهل السنة" التبس الأمر وظن من لا دراية له بحالهم أنهم على مذهب أهل السنة والسلف في كل خصال السنة، والواقع أنهم ليسوا كذلك. بل في أقوالهم ما يخالف السنة في كثير من أبواب الاعتقاد. فليسوا على السنة المحضة في كل اعتقاداتهم.
وإذا أطلقنا القول بأنهم ليسوا من أهل السنة، كان ذلك حكماً بأنهم خالفوا السنة في كل أبواب الاعتقاد، والأمر ليس كذلك فقد وافقوا أهل السنة في أبواب الصحابة والإمامة وبعض السمعيات.
فالعدل والإنصاف يقتضي أن يحكم على كل بما يستحق على ضوء ما رضي لنفسه من قول واختط من نهج.
المصدر:وسطية أهل السنة بين الفرق لمحمد باكريم - ص ٤١
هنالك لبس كبير يقع فيه بعض الناس قديما وحديثا, ذلكم هو دعوى الأشاعرة بأنهم أهل السنة, ووصفهم بذلك من غيرهم – أحيانا – وهذه دعوى عريضة فيها الكثير من الإيهام والخلط.
أولا: أن أهل السنة والجماعة: سموا بذلك لأنهم هم الذين على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم الجماعة الذين ذكرهم رسول الله, صلى الله عليه وسلم.
وعليه فأهل السنة: الصحابة والتابعون ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين. ولم يبتدع ولم يغير, ومن غير أو بدل أو أحدث في الدين ما ليس منه وما لم يكونوا عليه في الاعتقاد والسنة فليس منهم فيما غير أو بدل.
ثانيا: أما الأشاعرة: فإنهم فرقة كلامية طارئة, نشأت بعد القرون الفاضلة فهي تنتسب إلى الإمام أبي الحسن علي ابن إسماعيل الأشعري المتوفى سنة (٣٢٤هـ) رحمه الله وكان معتزليا, ثم تحول عن المعتزلة عام (٣٠٠هـ) تقريبا, وصار يرد عليهم بأساليبهم الكلامية من جانب, وبنصوص الكتاب والسنة من جانب آخر, وبهذا وقف للمعتزلة وتصدى لهم وهو ومن نهج منهجه حتى أفحمهم وهذا عمل جليل يحمد له.
وفي هذا الجو نشأ مذهب عقدي تلفيقي مخضرم, لا هو سني خالص ولا كلامي عقلاني خالص, حتى هدأت العاصفة وانجلى غبار المعركة ضد المعتزلة, وقد أبلى فيها الإمام أبو الحسن الأشعري بلاء حسنا, وخرج منتصرا على المعتزلة والجهمية, ومن سلك سبيلهم, وهنا استبصر الأشعري الحق وعرف أنه إنما انتصر بتعويله على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ونصره للسنة وأهلها, وقوفه مع أئمة السلف الآخرين.