للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام أبو الحسن الكرجي من علماء القرن الخامس الشافعية ما نصه: " لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعري ويتبرأون مما بنى الأشعري مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عدة من المشايخ والأئمة "، وضرب مثالاً بشيخ الشافعية في عصره الإمام أبو حامد الإسفرائيني الملقب "الشافعي الثالث" قائلاً: " ومعلوم شدة الشيخ على أصحاب الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعي من أصول الأشعري، وعلق عنه أبو بكر الراذقاني وهو عندي، وبه اقتدى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتابيه (اللمع) و (التبصرة) حتى لو وافق قول الأشعري وجهاً لأصحابنا ميزه وقال: " هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعي، استنكفوا منهم ومن مذهبهم في أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين " (١) أ. هـ. وبنحو قوله بل أشد منه قال شيخ الإسلام الهروي الأنصاري (٢).٣ - الحنفية: معلوم أن واضع الطحاوية وشارحها كلاهما حنفيان، وكان الإمام الطحاوي معاصراً للأشعري وكتب هذه العقيدة لبيان معتقد الإمام أبي حنيفة وأصحابه، وهي مشابهة لما في الفقه الأكبر عنه وقد نقلوا عن الإمام أنه صرح بكفر من قال إن الله ليس على العرش أو توقف فيه، وتلميذه أبو يوسف كفر بشراً المريسي، ومعلوم أن الأشاعرة ينفون العلو وينكرون كونه تعالى على العرش ومعلوم أيضاً أن أصولهم مستمدة من بشر المريسي (٣).٤ - الحنابلة: موقف الحنابلة من الأشاعرة أشهر من أن يذكر فمنذ بدّع الإمام أحمد " ابن كلاب " وأمر بهجره – وهو المؤسس الحقيقي للمذهب الأشعري – لم يزل الحنابلة معهم في معركة طويلة، وحتى في أيام دولة نظام الملك – التي استطالوا فيها – وبعدها كان الحنابلة يخرجون من بغداد كل واعظ يخلط قصصه بشيء من مذهب الأشاعرة، ولم يكن ابن القشيري إلا واحداً ممن تعرض لذلك، وبسبب انتشار مذهبهم وإجماع علماء الدولة سيما الحنابلة على محاربته أصدر الخليفة القادر منشور " الاعتقاد القادري " أوضح فيه العقيدة الواجب على الأمة اعتقادها سنة ٤٣٣ هـ (٤) (٥).

وكذلك يفعل أتباعهم في عصرنا هذا بملء خطبهم الحماسية ومواعظهم وقصصهم وما يسمونه بالكتب الفكرية لثقة قرائهم - من الشباب المتحمس - العمياء بهم ولجهل أكثر هؤلاء الشباب بعقيدتهم الصحيحة التي كان عليها سلفهم الصالح من الصحابة ومن تبعهم بإحسان.


(١) ((التسعينية)) (ص: ٢٣٨ - ٢٣٩) وانظر ((شرح الأصفهانية)) (٥/ ٣١) من ((الفتاوى الكبرى)) نفسها وانظر عن الكرجي وعقيدته: ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) و ((مختصر العلو)) وله ترجمة في ((طبقات الشافعية)) لابن السبكي و ((طبقات الشافعية)) لابن كثير (مخطوط).
(٢) يلاحظ أن كلا من الشافعية والحنابلة يدعي الهروي لمذهبهم ورجح شيخ الإسلام أنه يأخذ من كليهما ويتبع الأثر. انظر ((شيخ الإسلام عبد الله الهروي)) (ص: ٩٦) وقوله فيهم نقله في ((التسعينية)) (ص: ٢٧٧) عن كتاب ((ذم الكلام)) "وهو يحقق بجامعة الإمام كما قرأت. وانظر أيضا عن موقف الشافعية ((درء التعارض)) (٢/ ١٠٦).
(٣) انظر غير ما ذكر ((سير أعلام النبلاء)) ترجمة بشر (١٠/ ٢٠٠ - ٢٠١) و ((الحموية)) (ص١٤ - ١٥) طبعة قصي الخطيب.
(٤) انظر ((المنتظم)) لابن الجوزي أحداث سنة: ٤٣٣هـ، ٤٦٩هـ، ٤٧٥هـ، وغيرها (ج ٨ وج ٩).
(٥) (ص: ٨١ - ٨٩ و ١٠٥ - ١٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>