للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وليس ذم الأشاعرة وتبديعهم خاصة بأئمة المذاهب المعتبرين، بل هو منقول أيضاً عن أئمة السلوك الذين كانوا أقرب إلى السنة واتباع السلف، فقد نقل شيخ الإسلام في الاستقامة كثيراً من أقوالهم في ذلك، وأنهم يعتبرون موافقة عقيدة الأشعرية منافياً لسلوك طريق الولاية والاستقامة حتى أن عبد القادر الجيلاني لما سئل: " هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ قال: ما كان ولا يكون ".

هذا موجز مختصر جداً لحكم الأشاعرة في المذاهب الأربعة، فما ظنك بحكم رجال الجرح والتعديل مما يعلم أن مذهب الأشاعرة هو رد خبر الآحاد جملة، وأن في الصحيحين أحاديث موضوعة أدخلها الزنادقة، وغيرها من العوام، وانظر إن شئت ترجمة إمامهم المتأخر الفخر الرازي في الميزان ولسان الميزان.

فالحكم الصحيح في الأشاعرة أنهم من أهل القبلة لاشك في ذلك، أما أنهم من أهل السنة فلا، وسيأتي تفصيل ذلك في الموضوعات التالية:

وهاهنا حقيقة كبرى أثبتها علماء الأشعرية الكبار بأنفسهم – كالجويني وابن أبي المعالي والرازي والغزالي وغيرهم – وهي حقيقة إعلان حيرتهم وتوبتهم ورجوعهم إلى مذهب السلف، وكتب الأشعرية المتعصبة مثل طبقات الشافعية أوردت ذلك في تراجمهم أو بعضه فما دلالة ذلك؟

إذا كانوا من أصلهم على عقيدة أهل السنة والجماعة فعن أي شيء رجعوا؟ ولماذا رجعوا؟ وإلى أي عقيدة رجعوا؟ رابعاً: دعوى الأشاعرة أن أكثر أئمة المسلمين على مذهبهم دعوى عارية عن الدليل يكذبها الواقع التاريخي، وكتب الأشاعرة نفسها عند تعريف مذهبي السلف والخلف تقول إن مذهب السلف هو مذهب القرون الثلاثة وبعضها يقول إنه مذهب القرون الخمسة (١)، فما بقي بعد هذه القرون؟ وصدقوا فالثابت تاريخياً أن مذهب الأشاعرة لم ينتشر إلا في القرن الخامس إثر انتشار كتب الباقلاني (٢).

ولولا ضيق المجال لسردت قائمة متوازية أذكر فيها كبار الأشاعرة ومن عاصرهم من كبار أهل السنة والجماعة الذين يفوقون أولئك عدداً وعلماً وفضلاً، وحسبك ما جمعه ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية) والذهبي في (العلو)، وقبلهما اللالكائي.

أما عوام المسلمين فالأصل فيهم أنهم على عقيدة السلف؛ لأنها الفطرة التي يولد عليها الإنسان، وينشأ عليها المسلم، بلا تلقين ولا تعليم – من حيث الأصل – فكل من لم يلقنه المبتدعة بدعتهم ويدرسوه كتبهم، فليس من حق أي فرقة أن تدعيه إلا أهل السنة والجماعة.

ومن الأدلة على ذلك الإنسان الذي يدخل في الإسلام حديثاً، فهل تستطيع أي فرقة أن تقول أنه معتزلي أو أشعري؟ أما نحن فبمجرد إسلامه يصبح واحداً منا.

وإن شئت المثال على عقيدة العوام فاسأل الملايين من المسلمين شرقاً وغرباً هل فيهم من يعتقد أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته كما تقول الأشاعرة. أم أنهم كلهم مفطورون على أنه تعالى فوق المخلوقات، وهذه الفطرة تظل ثابتة في قلوبهم حتى وإن وجدوا من يلقنهم في أذهانهم تلك المقولة الموروثة عن فلاسفة اليونان (٣).


(١) ومنها ((شرح الباجوري -أو البيجوري- على الجوهرة)) (١/ ٨٢) طبعة محمد علي صبيح.
(٢) انظر ((الاستقامة)) (ص: ١٠٥) و ((تبيين كذب المفتري)) لابن عساكر (ص: ٤١٠) بتحقيق الكوثري.
(٣) بل إن متكلمي الأشاعرة الذين ينفون العلو بكل جرأة ويستندون إلى شبهات كثيرة، تجد في خبايا كلامهم إقرارا به دون أن يشعروا. لأن مغالبة الفطرة من أصعب الأمور. فالرازي مثلاً -مع إنكاره الشديد للعلو في ((التأسيس والتفسير)) قال في التفسير إن الله (خسف بقارون فجعل الأرض فوقه ورفع محمداً صلى الله عليه وسلم فجعله قاب قوسين تحته) (١/ ٢٤٨). ط. بيروت. والرفع يدل على علو الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>