للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الاعتقاد: هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وهم ومن اتبعهم الفرقة الناجية, فإنه قد ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه قال: الإيمان يزيد وينقص, وكل ما ذكرته في ذلك فإنه مأثور عن الصحابة بالأسانيد الثابتة لفظه ومعناه وإذا خالفهم من بعدهم لم يضر في ذلك. ثم قلت لهم: وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكا فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه, وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة, وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته, وإذا كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية, والمغفور له وغير ذلك فهذا أولى, بل موجب هذا الكلام أن من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد, ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجيا, وقد لا يكون ناجيا, كما يقال من صمت نجا" (١).

قلت: وفي كلام شيخ الإسلام هذا أبلغ جواب لما قد يستشكله الكثير في مسألة إخراج الأشاعرة أو غيرهم من أهل البدع من الفرقة الناجية ومن أهل السنة والجماعة, وأن ذلك يلزم منه أن يكونوا من أهل النار حتما ومن الهالكين يقينا.

ولا تلازم بين الأمرين على ما بينه شيخ الإسلام هنا إذ النص المتقدم ونحوه من نصوص الوعيد لا يدخل فيها من لم تبلغه الحجة ولم يتبين له السبيل مع إرادته للحق وتحريه له وقد يكون معه حسنات ماحية أو يكون متأولا أو يكون جاهلا معذورا أو نحو ذلك من الأعذار وعلى كل فحكمهم في الدنيا أنهم من أهل البدع والأهواء وأما يوم القيامة فمرجعهم إلى الله يحكم فيهم بمقتضى عدله وحكمته ولا يظلم ربك أحدا.

ثم يقال لمعشر الأشاعرة على الخصوص, أما لكم اسوة بإمامكم وشيخكم ومؤسس مذهبكم, ومن تدعون أنكم أتباعه وعلى طريقته فقد أبان الله له الجادة وهداه إلى الحق, وترك ما أنتم عليه الآن إلى مذهب أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل قائل, فدونكم إن شئتم كتبه الثلاثة الأخيرة لتروا فيها رجوعه إلى الحق وتمسكه به.

قال رحمه الله وغفر له في كتابه (الإبانة): "فإن قال لنا قائل قد أنكرتم قول المعتزلة والقدرية والجهمية والحلولية والرافضة والمرجئة, فعرفونا قولكم الذي به تقولون وديانتكم التي بها تدينون. قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته قائلون ولمن خالف قوله مجانبون لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين, فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين" (٢).

فيقال للأشاعرة هذا إمامكم المقدم وشيخكم المبجل يسجل لكم رجوعه إلى الحق وتمسكه به في ورق مسطر وكلام محرر فهلا بكلام إمامكم اقتديتم وبما هدي إليه اهتديتم.

المصدر:زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه لعبد الرزاق البدر – ص ٣٦٢


(١) ((الفتاوى)) (٣/ ١٧٩).
(٢) ((الإبانة)) (ص٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>