للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن المراد بالسنة الطريقة المحمدية التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وتابعوهم بإحسان قبل ظهور البدع وفشوها, فمن تأثر بشيء من الأهواء واستمسك بها لم يصح إطلاق هذا الوصف الجليل عليه. فإنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ((أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)) (١) , وفي حديث آخر أنه قال: ((هم من كان مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) (٢). صار المتمسكون بالإسلام الخالص من الشوائب والأهواء هم أهل السنة والجماعة ومن سواهم أهل البدعة والضلالة. قال شيخ الإسلام: "وأئمة السنة ليسوا مثل أئمة البدعة, فإن أئمة السنة تضاف السنة إليهم لأنهم مظاهر بهم ظهرت, وأئمة البدعة تضاف إليهم لأنهم مصادر عنهم صدرت ... " (٣)

وبهذا يعلم أن الأشاعرة والماتريدية ليسوا من أهل السنة والجماعة, كيف ومذاهبهم مخالفة لأهل السنة والجماعة في أمور كثيرة خطيرة, فهم مخالفون لأهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات وفي الإيمان وفي القدر وغير ذلك من كبار مسائل الاعتقاد, وإنما هم يعدون من مبتدعة أهل القبلة ومن محدثة المسلمين وعندهم من الخير والموافقة لأهل السنة والجماعة في بعض المسائل ما كانوا به أقرب من غيرهم ممن توغل في الإحداث والابتداع كالجهمية والمعتزلة وغيرهم.

هدانا الله وإياهم وجميع المسلمين إلى الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

ثم إن هذه المسألة على الخصوص جرى فيها مناظرة بين شيخ الإسلام ابن تيمية وبين خصومه الأشاعرة, حيث أنكروا عليه قوله في العقيدة الواسطية: "ومن أصول الفرقة الناجية: أن الإيمان والدين قول وعمل يزيد وينقص قول القلب واللسان, وعمل القلب واللسان والجوارح".

قالوا: فإذا قيل إن هذا من أصول الفرقة الناجية خرج عن الفرقة الناجية من لم يقل بذلك مثل أصحابنا المتكلمين الذين يقولون إن الإيمان هو التصديق ومن يقول الإيمان هو التصديق والإقرار, وإذا لم يكونوا من الناجين لزم أن يكونوا هالكين. فأجابهم رحمه الله بقوله: "إن قولي اعتقاد الفرقة الناجية هي الفرقة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة حيث قال: ((تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) (٤).


(١) رواه أبو داود (٤٥٩٧) , وأحمد (٤/ ١٠٢) (١٦٩٧٩) , والدارمي (٢/ ٣١٤) , والحاكم (١/ ٢١٨). والحديث سكت عنه أبي داود. وقال الحاكم: هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده أبو الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (٩٦) – كما أشار لهذا في المقدمة -. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن. وانظر كلامه في ((السلسلة الصحيحة)) (٢٠٤).
(٢) رواه الترمذي (٢٦٤١) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما, وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، قال الحافظ العراقي في ((المغني)) (٣/ ٢٨٤): أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه, ولأبي داود من حديث معاوية, وابن ماجه من حديث أنس وعوف ابن مالك, (وهي الجماعة) وأسانيدها جياد, وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(٣) ((درء التعارض) (٥/ ٥، ٦)
(٤) رواه الترمذي (٢٦٤١) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما, وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، قال الحافظ العراقي في ((المغني)) (٣/ ٢٨٤): أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه, ولأبي داود من حديث معاوية, وابن ماجه من حديث أنس وعوف ابن مالك, (وهي الجماعة) وأسانيدها جياد, وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

<<  <  ج: ص:  >  >>