للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو قيل إن الحافظ - رحمه الله - كان متذبذبا في عقيدته لكان ذلك أقرب إلى الصواب كما يدل عليه شرحه لكتاب (التوحيد) والله أعلم.

وقد كان من الحنابلة من ذهب إلى أبعد من هذا كابن الجوزي وابن عقيل وابن الزاغوني، ومع ذلك فهؤلاء كانوا أعداء ألداء للأشاعرة، ولا يجوز بحال أن يعتبروا أشاعرة فما بالك بأولئك.

والظاهر أن سبب هذا الاشتباه في نسبة بعض العلماء للأشاعرة أو أهل السنة والجماعة هو أن الأشاعرة فرقة كلامية انشقت عن أصلها " المعتزلة " ووافقت السلف في بعض القضايا وتأثرت بمنهج الوحي، في حين أن بعض من هم على مذهب أهل السنة والجماعة في الأصل تأثروا بسبب من الأسباب بأهل الكلام في بعض القضايا وخالفوا فيها مذهب السلف.

فإذا نظر الناظر إلى المواضع التي يتفق فيها هؤلاء وهؤلاء ظن أن الطائفتين على مذهب واحد، فهذا التداخل بينهما هو مصدر اللبس.

وكثيراً ما تجد في كتب الجرح والتعديل – ومنها لسان الميزان للحافظ ابن حجر – قولهم عن الرجل أنه وافق المعتزلة في أشياء من مصنفاته أو وافق الخوارج في بعض أقوالهم وهكذا، ومع هذا لا يعتبرونه معتزلياً أو خارجياً، وهذا المنهج إذا طبقناه على الحافظ وعلى النووي وأمثالهما لم يصح اعتبارهم أشاعرة وإنما يقال وافقوا الأشاعرة في أشياء، مع ضرورة بيان هذه الأشياء واستدراكها عليهم حتى يمكن الاستفادة من كتبهم بلا توجس في موضوعات العقيدة.

المصدر:منهج الأشاعرة في العقيدة لسفر الحوالي

أود أن أقف وقفة لا بد منها مع قول البزدوي: "الإيمان لا يزيد ولا ينقص عند أهل السنة والجماعة وقال أصحاب الحديث والشافعي إنه يزيد وينقص" فإن فيه من الغلط ما يقتضي الوقوف عنده والتنبيه عليه لزوما.

فإنه كما ترى جعل أهل الحديث قسيما لأهل السنة والجماعة وليسوا هم, وأن أهل السنة والجماعة إنما هم جماعته المتكلمون من أشاعرة وماتريدية, وكم في هذا الكلام من الغلط والجور على أئمة الدين وعلماء السلف الأولين, ومن الإجحاف حقا وهضم الحقوق أن ينتزع هذا الاسم من أهله الذين هم أحق به وهم أهل الحديث ويعطى لغيرهم ممن ليس لهم فيه حق.

وهذه دعوى عريضة يدعيها دوما أهل البدع والأهواء على حد قول القائل:

وكل يدعى وصلا لليلى [وليلى لا تقر لهم بذاك] ومن هذا القبيل قول يوسف عبد الرزاق أحد علماء الأزهر في تحقيقه لكتاب (إشارات المرام) من عبارات الإمام بتقديم الكوثري: "إذا أطلق أهل السنة والجماعة فالمراد بهم الأشاعرة والماتريدية" (١).وكذلك من جنسه زعم الصابوني المعاصر في مقاله المنشور في مجلة المجتمع أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة (٢).

قلت: لا ريب أن قولهم وادعائهم هذا باطل غير صحيح فإن الأشاعرة والماتريدية لا يصح إطلاق هذا اللقب الجليل عليهم فضلا عن أن يكونوا أهله المختصين به.


(١) حاشية ((إشارات المرام)) ((ص: ٢٩٨)) ومن هذا القبيل أيضا تسمية بعض هؤلاء مؤلفاتهم في العقيدة بـ ((عقيدة أهل السنة والجماعة)) ونحو ذلك ككتاب الماتريدي ((تأويلات أهل السنة)) وكتاب الجكني الشنقيطي ((إضاءة الدجنة في عقيدة أهل السنة)) وكتاب محمد بن درويش البيروتي ((رسائل في بيان عقائد أهل السنة والجماعة)) وغيرها كثير.
(٢) انظر ما كتبه الشيخ سفر الحوالي ردا عليه في رسالته ((منهج الأشاعرة في العقيدة)) فقد أحسن فيها وأجاد وأفاد وفقه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>