ثم يقال: كيف يدعى ذلك في رجل قضى أربعين سنة من عمره على الاعتزال، ثم تاب في آخر حياته، وعاش في مرحلة التوبة ما يقرب من عشر سنين تزيد قليلاً أو تنقص قليلاً على اختلاف الروايات في مولده، كيف يكون مثل من كان هذا حاله إماماً للمسلمين؟ متى تعلم العلم ورسخ فيه حتى يتخذ إماماً دون أئمة السنة وأهل الحديث؟ هذا ضرب من المحال، بل من الجنون.
قال ابن المبرد في رده على ابن عساكر:"فقد أثبت – أي: ابن عساكر – أنه كان أكثر عمره على غير السنة، وأنه كان معتزليا متكلماً، وأنه تاب من الاعتزال ولم يتب من الكلام. فيا سبحان الله! من كان بهذه المثابة وبهذه الحالة يجعل إمام المسلمين والمقتدى به، يترك مثل أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وابن المبارك، ولا يقتدي ولا يذكر إلا هذا الذي أقام على البدعة عمره"(١) اهـ.
ويقال أيضاً: إن أبا الحسن الأشعري بعد رجوعه إلى طريق الكلابية ثم إلى طريق السنة المحضة، لم يكن مبرزاً في شيء من العلوم سوى علم الكلام، ومن كان هذا حاله فحسبه أن يكون متبعاً للسلف ومنتسباً لأئمة السنة وهو الأمر الذي قرره وذكره في أول كتابه الذي يمثل مرحلته الأخيرة:(الإبانة) حيث انتسب فيه إلى الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة، وأما أن يكون هو الإمام الذي يقتدى به وينسب إليه فهذا ضرب من المجازفة، بل الانحراف.
(١) ((جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر)) (ص: ١٠٥).