للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لما كان في سنة ٤٦٠هـ أعيدت قراءة "الاعتقاد القادري" وأمر بأن يقرأ في الجوامع والمساجد. قال ابن الجوزي: "وقرأت بخط أبي علي بن البنا قال: اجتمع الأصحاب وجماعة الفقهاء، وأعيان أصحاب الحديث ... وسألوا إخراج "الاعتقاد القادري" وقراءته، فأجيبوا وقرئ هناك بمحضر من الجمع ... وكان أبو مسلم الليثي البخاري المحدث معه كتاب (التوحيد) لابن خزيمة فقرأه على الجماعة ... ونهض ابن فورك قائماً فلعن المبتدعة وقال: لا اعتقاد لنا إلا ما اشتمل عليه هذا الاعتقاد، فشكرته الجماعة على ذلك ... وقال الوزير ابن جهير: ... ونحن نكتب لكم نسخة لتقرأ في المجالس، فقال: هكذا فعلنا في أيام القادر، قرئ في المساجد والجوامع، وقال: هكذا تفعلون فليس أعتقد غير هذا، وانصرفوا شاكرين" (١) اهـ.

فانظر إلى هذه الانتهاضة في الإنكار على أهل البدع ومنهم الأشاعرة، ثم انظر إلى ما قاله المؤلفان (ص٢٥٢) عاكسين للحال: "بل نزيد ونقول إنه لا يبعد أن يكون – أي: ابن جرير – انتسب إليه – أي: الأشعري – فيما لم يصلنا من كتبه، فقد ذكرت كتب التاريخ أنه انتهض لنصرة طريقة الإمام أبي الحسن والإمام أبي منصور جميع أهل السنة في العالم الإسلامي" اهـ.

وقد قال ابن المبرد في تأكيد ما ذكرناه: "أنا أذكر لك كلاماً تعلم كيفيتهم: كان الأشعري وأتباعه في زمنه لا يظهر منهم أحد بين الناس، ولا يقدر أحدهم على إظهار كلمة واحدة مما هم عليه، ثم لما ذهب هو وأصحابه، ولا نسب أحداً منهم، فلعله قد تاب حقيقة، بل نسأل الله له ولأتباعه المسامحة، وجاء أصحاب أصحابه، وكان ذلك في زمن شيخ الإسلام الأنصاري كان الواحد والاثنان والثلاثة منهم إذا أرادوا أن يتكلموا بشيء من مذهبهم وما هم عليه اختفوا بذلك بحيث لا يراهم أحد بالكلية، فقد ذكر ذلك شيخ الإسلام الأنصاري وغيره، وهو إمام مقبول عند سائر الطوائف، ومن لم يصدقني فلينظر في كتابه (ذم الكلام) يجد ذلك في عدة مواضع منه. ثم لما كان بعد ذلك بمدة في زمن الخطيب البغدادي وغيره ظهروا بذلك بعض الظهور، فقويت الشوكة عليهم ولعنوا على المنابر، ونفي جماعة منهم (٢)، ثم بعد ذلك أبرزوه، وقويت شوكتهم، وكانوا يقومون به ويقعون، تارة لهم وتارة عليهم، ثم في زمن ابن عساكر وغيره ظهروا وبرزوا أكثر من ذلك، وصاروا تارة يظهرون ويترجحون، وتارة يظهر عليهم، ثم في زمن الشيخ تقي الدين ابن تيمية ترجح أمرهم وظهروا غاية الظهور، ولكن كان يقاومهم هو وأصحابه إلا أن الظفر في الظاهر مع أولئك، ثم بعد ذلك عم الخطب والبلوى بذلك فصار ما هم عليه هو الظاهر وصريح السنة، وما عليه السلف هو الخفي، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" (٣) اهـ.


(١) ((المنتظم)) (أحداث سنة ٤٦٠هـ).
(٢) كما كان في خلافة القادر بالله، وما كان في دولة محمود بن سبكتكين، وفي الدولة السلجوقية في عهد السلطان طغرل بك.
(٣) ((جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر)) (ص: ٢٨١ - ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>