للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أعقب هذه الأبواب بباب في بيان منهج السلف في هذه الصفات، وهو إمرارها على ظاهرها، وعدم التعرض لها بتأويل، ولا تشبيه، ونقل فيها كثيراً من نصوص السلف والتي قد ذكرنا كثيراً منها في الباب الأول. وأما كتاب (أحاديث النزول) فقد أثبت فيه صفة النزول لله تعالى، وأنه حق على حقيقته من غير تشبيه ولا تحريف ولا تأويل، وأنه نزول الله تعالى لا نزول ملك ولا نزول أمره ونحو ذلك مما يتأوله الأشاعرة وجميع المعطلة، وجميع فيه أحاديث النزول في الثلث الأخير من الليل، وفي شعبان، وعشية عرفة، وقال في أوله: "ذكر الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيغفر للمستغفرين ويعطي السائلين" (١) اهـ.

وأما كتاب (الرؤية) فقد قرر فيه معتقد السلف في أن الله تبارك وتعالى يرى يوم القيامة، يراه المؤمنون في العرصات، وبعد دخول الجنة، وجمع فيها الأحاديث المتواترة الدالة على ذلك، ونقل فيه كلام الصحابة والتابعين والأئمة في إثبات ذلك، وأن ألذ نعيم أهل الجنة النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.

فكيف يمكن بعد ذلك إدخال الدارقطني في جملة الأشعرية؟!! وكتبه كلها قد نسجها على منوال السلف في تقرير المعتقد، فيستدل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم من كلام السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم، ولم يعرج قط على المسائل الكلامية، ولا الدلائل التي يسميها أصحابها عقلية، بل كان مبغضاً لهذه الطرق.

قال الذهبي في (العلو): "كان العلامة الحافظ أبو الحسن علي بن عمر نادرة العصر، وفرد الجهابذة، ختم به هذا الشأن، فمما صنف: كتاب (الرؤية)، وكتاب (الصفات)، وكان إليه المنتهى في السنة ومذاهب السلف.

وهو القائل ما أنبأني أحمد بن سلامة بن يحيى بن يونس أنبأنا ابن كادش أنشدنا أبو طالب العشاري أنشدنا الدارقطني رحمه الله تعالى:

حديث الشفاعة في أحمد ... إلى أحمد المصطفى نسنده

وأما حديث بإقعاده ... على العرش أيضاً فلا نجحده

أمروا الحديث على وجهه ... ولا تدخلوا فيه ما يفسده

اهـ (٢).

وقال الذهبي في السير: "وصح عن الدارقطني أنه قال: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام. قلت: لم يدخل الرجل أبداً في علم الكلام، ولا الجدال ولا خاض في ذلك، بل كان سلفياً. سمع هذا القول منه أبو عبدالرحمن السلمي" (٣) اهـ.

الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني "٤٣٠هـ":وهو ممن عده المؤلفان (٤) من الأشاعرة، اتباعاً لابن عساكر، وقد استدرك ذلك عليه ابن المبرد منتقداً إلحاقه له بالأشاعرة فقال: "ثم ذكر فيهم أبا نعيم الحافظ، وليس بمسلم له فيه، وهو اختلاف عليه" (٥) اهـ.


(١) ((النزول)) (ص: ١).
(٢) ((العلو)) (ص: ٢٣٤).
(٣) ((سير أعلام النبلاء)) (١٦/ ٤٥٧).
(٤) يقصد بهما المؤلفان لكتاب ((أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم)).
(٥) ((جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر)) (ص: ١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>