للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال في اللفظة: "وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى، ولا تابعي قضى، إلا عمن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه، وفي اتباعه الرشد والهدى، ومن يقوم مقام قول الأئمة الأولى، أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل حنبل رضي الله عنه.

فإن أبا إسماعيل الترمذي حدثني قال: سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول: اللفظة جهمية لقول الله جل اسمه: يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ [التوبة: ٦]، فممن يسمع. ثم سمعت جماعة من أصحابنا لا أحفظ أسماءهم يذكرون عنه أنه كان يقول: من قال "لفظي بالقرآن مخلوق" فهو جهمي، ومن قال "هو غير مخلوق" فهو مبتدع" (١) اهـ. وقال أيضاً في تعريف الإيمان: "فإن الصواب فيه قول من قال: هو قول وعمل، يزيد وينقص، وبه جاء الخبر عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه مضى أهل الدين والفضل" (٢) اهـ.

وهذا مخالف لمعتقد الأشاعرة الذين يرون أن الإيمان هو التصديق، وأن الأعمال ليست داخلة في حقيقة الإيمان.

هذه نتف من كلام ابن جرير رحمه الله في تقرير الاعتقاد تبين موافقته للسلف، ومخالفته للأشاعرة.

وكيف لا يكون كذلك وهو صاحب إمام الأئمة ابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي وغيرهم من أئمة السنة.

الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني "٣٨٥هـ":

كان الحافظ الدارقطني من ضمن من حاول المؤلفان ضمه إلى ركب الأشاعرة استكثاراً للأتباع، وتشبعاً بما لم يعطيا.

والحافظ الدارقطني علم من الأعلام، وإمام من الأئمة الذين ألفوا وكتبوا في فنون كثيرة، ومنها: "المعتقد"، فاللدارقطني ثلاثة كتب معروفة مشهورة مطبوعة متداولة في معتقد أهل السنة والجماعة، وهي: كتاب (الصفات)، وكتاب (الرؤية)، وكتاب (أحاديث النزول).

ومع توفر هذه الكتب في المكتبة الإسلامية، فإننا نجد المؤلفين لم يعرجا على شيء منها البتة، وأعرضا عنها تماماً، واستندا في دعواهما بأشعريته على قصة ذكر فيها أن الدارقطني قبل رأس أبي بكر الباقلاني الأشعري، وأثنى عليه.

ومن المعلوم أن هذه الطريقة لا يمكن الاعتماد عليها في استخلاص معتقد إمام معروف بكتبه كالحافظ الدارقطني، وغاية ما فيها ثناء الدارقطني على بعض الأشاعرة.

وهذا على فرض ثبوته يحتمل أموراً كثيرة.

منها: أن الثناء عليه قد يكون قبل أن يعلم حاله، وقبل أن يظهر ما ظهر من معتقداته.

ومنها: أن الثناء قد يكون نسبياً، كأن يثني عليه لجهوده في الرد على المعتزلة والجهمية ونحوهم، وقد كان الباقلاني معروفاً بهذا. لا لكونه موافقاً للحق في كل معتقده. وقد ذكر ابن المبرد الدارقطني من ضمن من كان مجانباً للأشاعرة، فقال: "ومنهم: الإمام أبو الحسن الدارقطني، كان مجانباً لهم – أي: الأشاعرة -، وله كلام في ذمهم" (٣).

وأنا أبين هنا ما سطره الدارقطني في كتبه حتى يتبين لكل عاقل، بطلان هذه الدعوى، وأن الدارقطني كان إماماً في السنة، رأساً فيها، ناهجاً نهج السلف والأئمة، لم يكن أشعرياً ولا كلابياً ولم يدخل في الكلام البتة.

فكتاب (الصفات) قد ألفه في إثبات صفات الله تعالى التي كان يتأولها المعطلة من الجهمية والمعتزلة والكلابية والأشعرية، فعقد بابا لإثبات القدم لله عز وجل، وباب لإثبات اليدين، وبابا لإثبات الضحك، وبابا لإثبات الأصابع، وبابا في ما جاء في الكرسي، وبابا في ما جاء في صورة الرحمن، وبابا في ما جاء في حثيات الرب عز وجل، وبابا في ما جاء في يمين الله عز وجل، وباباً في ما جاء في كف الرحمن.


(١) ((صريح السنة)) (ص: ٣٧).
(٢) ((صريح السنة)) (ص: ٣٥).
(٣) ((جميع الجيوش والدساكر على ابن عساكر)) (ص: ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>