للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن قال: "فإن قال لنا قائل: فما الصواب في معاني هذه الصفات التي ذكرت، وجاء ببعضها كتاب الله عز وجل ووحيه، وجاء ببعضها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قيل: الصواب من هذا القول عندنا: أن نثبت حقائقها على ما نعرف من جهة الإثبات ونفي التشبيه، كما نفي عن نفسه جل ثناؤه فقال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١] ... ".إلى أن قال: "فنثبت كل هذه المعاني التي ذكرنا أنها جاءت بها الأخبار والكتاب والتنزيل على ما يعقل من حقيقة الإثبات، وننفي عنه التشبيه" (١).

إثبات النزول لله تعالى:

قال في "التبصير": "قيل له –أي: للمعطل-: فما أنكرت من الخبر الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يهبط إلى السماء الدنيا فينزل إليها.

فإن قال: أنكرت ذلك؛ أن الهبوط نقلة، وأنه لا يجوز عليه الانتقال من مكان إلى مكان، لأن ذلك من صفات الأجسام المخلوقة.

قيل لهً: فقد قال جل ثناؤه: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢]، فهل يجوز عليه المجيء؟ فإن قال: لا يجوز ذلك عليه، وإنما معنى هذا القول: وجاء أمر ربك.

قيل: قد أخبرنا تبارك وتعالى أنه يجيء هو والملك، فزعمت أنه يجيء أمره لا هو، فكذلك تقول: أن الملك لا يجيء، إنما يجيء أمر الملك لا الملك، كما كان معنى مجيء الرب تبارك وتعالى مجيء أمره.

فإن قال: لا أقول ذلك في الملك، ولكني أقول في الرب.

قيل له: فإن الخبر عن مجيء الرب تبارك وتعالى والملك خبر واحد، فزعمت في الخبر عن الرب تعالى ذكره أنه يجيء أمره لا هو، وزعمت في الملك أنه يجيء بنفسه لا أمره، فما الفرق بينك وبين من خالفك في ذلك فقال: بل الرب هو الذي يجيء، فأما الملك فإنما يجيء أمره لا هو بنفسه؟! ... ".

إلى أن قال: "فإن قال لنا منهم قائل: فما أنت قائل في معنى ذلك؟ قيل له: معنى ذلك ما دل عليه ظاهر الخبر، وليس عندنا الخبر إلا التسليم والإيمان به، فنقول: يجيء ربنا جل جلاله يوم القيامة والملك صفا صفا، ويهبط إلى السماء الدنيا وينزل إليها في كل ليلة، ولا نقول: معنى ذلك ينزل أمره، بل نقول: أمره نازل إليها في كل لحظة وساعة، وإلى غيرها من جميع خلقه الموجودين ما دامت موجودة. ولا تخلو ساعة من أمره فلا وجه لخصوص نزول أمره إليها وقتاً دون وقت، ما دامت موجودة باقية" (٢).

القرآن كلام الله غير مخلوق:

قال في "صريح السنة" في إثبات أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، وإبطال معتقد الأشاعرة فيه: "فمن قال غير ذلك، أو ادعى أن قرآناً في الأرض أو في السماء سوى القرآن الذي نتلوه بألسنتنا، ونكتبه في مصاحفنا، أو اعتقد غير ذلك بقلبه، أو أضمره في نفسه، أو قاله بلسانه دائناً به فهو بالله كافر حلال الدم، بريء من الله، والله منه بريء بقول الله عز وجل: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ [البروج: ٢١ - ٢٢]، وقال وقوله الحق: وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ [التوبة: ٦].فأخبر جل ثناؤه أنه في اللوح المحفوظ مكتوب، وأنه من لسان محمد صلى الله عليه وسلم مسموع، وهو قرآن واحد: من محمد صلى الله عليه وسلم، وفي اللوح المحفوظ مكتوب، وكذلك هو في الصدور محفوظ، وبألسن الشيوخ والشباب متلو" (٣) اهـ.

وهذا يبطل معتقد الأشاعرة الذين يزعمون أن هناك قرآنين أحدهما: كلام الله غير مخلوق وهو ما قام بذات الله، والآخر مخلوق: وهو الملفوظ المتلو المكتوب، كما سبق بيان قولهم في الفصل الثالث من الباب الثاني.


(١) ((التبصير)) (١٣٤ - ١٤٢).
(٢) ((التبصير)) (١٣٤ - ١٤٢).
(٣) ((صريح السنة)) (ص: ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>