قال يحكي عقيدة أهل الحديث:"ويثبتون له جل جلاله ما أثبت لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يعتقدون تشبيها لصفاته بصفات خلقه، فيقولون: إنه خلق آدم بيده، كما نص سبحانه عليه في قوله – عز من قائل -: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧٥]، ولا يحرفون الكلام عن مواضعه بحمل اليدين على النعمتين، أو القوتين، تحريف المعتزلة والجهمية، أهلكهم الله، ولا يكيفونهما بكيف أو تشبيههما بأيدي المخلوقين، تشبيه المشبهة، خذلهم الله، وقد أعاذ الله تعالى أهل السنة من التحريف والتكييف، ومنَّ عليهم بالتعريف والتفهيم حتى سلكوا سبل التوحيد والتنزيه، وتركوا القول بالتعطيل والتشبيه، واتبعوا قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: ١١] ".وكذلك يقولون في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة، والعزة والعظمة والإرادة، والمشيئة والقول والكلام، والرضا والسخط والحياة، واليقظة والفرح والضحك وغيرها من تشبيه لشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، بل ينتهون فيها إلى ما قاله الله تعالى، وقاله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه، ولا تكييف له ولا تشبيه، ولا تحريف ولا تبديل ولا تغيير، ولا إزالة للفظ الخبر عما تعرفه العرب، وتضعه عليه بتأويل منكر، ويجرونه على الظاهر، ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله، كما أخبر الله عن الراسخين في العلم أنهم يقولونه في قوله تعالى: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران: ٧]" (١) اهـ.
فانظر كيف حكى معتقد أهل السنة في الصفات، وأنهم يسلكون فيها الإثبات من غير تشبيه، ولا تحريف وتأويل. وأن هذا هو سبيلهم في جميع الصفات، لا يفرقون بين صفات المعاني، ولا غيرها من الصفات، كالوجه، واليدين، والفرح، والضحك.
وقد سبق أن بينت أن قوله: "ويكلون علمه إلى الله تعالى، ويقرون بأن تأويله لا يعلمه إلا الله" يريد به حقيقة ما عليه الصفة، وكيفيتها، بدليل إثباته لها على ظاهرها، ومنعه من التعرض لها بتأويل وغيره، فلو كان اللفظ غير مفهوم، لم يكن إمراره على ظاهره معنى، كيف وقد بين وجوب إمراره بلا تشبيه، ولا تكييف، ونقل إجماع الأمة على علو الله تعالى واستوائه على عرشه بمعنى العلو.