للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أننا إذا تأملنا الصفات السبع لدى الأشاعرة، والصفات الثماني لدى الماتريدية نجد أن إثباتها ونفي ما سواها يعود إلى قاعدة إثبات صفات الذات ونفي ما عداها التي قعدها ابن كلاب.٣ - أن صفة التكوين التي أضافها الماتريدي – وقال بها بعض الأشاعرة – تعود في الحقيقة إلى قاعدة ابن كلاب المذكورة في الصفات، ويتبين ذلك بذكر مفهوم التكوين عندهم: فمن المعلوم أن أفعال الله تعالى على نوعين: متعد، ولازم، فالمتعدي مثل الخلق، والرزق، والإحياء، والإماتة، ونحو ذلك، واللازم مثل الاستواء، والنزول، والمجيئ والإتيان، ونحو ذلك (١)، وترى الماتريدية أن جميع صفات الأفعال المتعدية ترجع إلى صفة واحدة هي صفة التكوين، والتي فسروها بإخراج المعدوم من العدم إلى الوجود (٢)، أما الصفات الفعلية اللازمة فينفونها بالتأويل الفاسد بناء على القاعدة الكلامية القائلة بأن إثبات الصفات يجب أن يكون بالعقل، ومعلوم أن الأصل في ثبوت الأفعال اللازمة الخبر، والعقل لا يستقل بإثباتها، كل ما في الأمر أن ابن كلاب نفي جميع صفات الأفعال الخبرية، وأرجعها إلى صفات الذات التي لا تتعلق بالمشيئة، وأما الماتريدي فأرجع الجزء المذكور من صفات الأفعال إلى صفة التكوين، ووصفوها بأنها أزلية لا تتعلق بالمشيئة (٣)، وسيأتي – بإذن الله – بيان أن صفة التكوين تمثل نقطة خلاف بين جمهور الأشعرية والماتريدية.٤ - أننا حين نقول: إن الأشاعرة والماتريدية يثبتون سبع صفات أو ثمان صفات لله ينبغي أن نقول ذلك بتحفظ؛ لأن إثباتهم لها يختلف عن الإثبات المعروف عند أهل السنة والجماعة، وهو: أن السلف يفهمون معنى الصفة الثابتة لله، ويوكلون إدراك الحقيقة إلى الله، مع القطع بعدم مشابهة المخلوقين، فلو نظرنا في إثباتهم للكلام – مثلاً – لوجدناهم يقولون: "وليس مرادنا من إطلاق الكلام غير المعنى القائم بالنفس" (٤) ويعتقدون أن هذا الكلام النفسي هو الذي لا يوصف بأنه مخلوق، أما ألفاظ القرآن التي نقرأها فهي مجرد عبارة عن كلام الله وليس كلام الله حقيقة، ويقول أحدهم بكل صراحة: "أما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق، لكن يمتنع أن يقال: القرآن مخلوق، ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم" (٥) ويقول النسفي الماتريدي: "وقال أهل الحق (الماتريدية) ... إن كلام الله تعالى صفة أزلية ليست من جنس الحروف والأصوات، وهي صفة قائمة بذاته منافية للسكوت والآفة، من الطفولة، والخرس، ونحو ذلك، والله تعالى متكلم بها آمر ناه، وهذه العبارات دالة عليها، وتسمى العبارات كلام الله تعالى على معنى أنها عبارات عن كلامه، وهو ينادي بها؛ فإن عبر عنه بالعربية فهو قرآن، وإن عبر عنه بالسريانية فهو إنجيل، وإن عبر عنه بالعبرية فهو توراة، والاختلاف على العبارات المؤدية لا عليه، كما يسمى الله تعالى بعبارات مختلفة بالألسنة، وفي لسان واحد بألفاظ مختلفة، والمسمى ذات واحد لا خلاف فيه، هذا هو بيان قول أهل الحق" (٦).


(١) انظر ((مجموع الفتاوى)) (٦/ ٢٣٣، ١٦/ ٣٧٢ - ٣٧٣).
(٢) انظر " ((شرح الفقه الأكبر)) المنسوب للماتريدي ((ص: ٢٢)) / حيرد آباد/ ١٣٦٥هـ، و ((المسايرة)) (ص: ٨٤)، و ((التمهيد)) للنسفي (ص: ٢٨ (.
(٣) انظر ((اللامشي)) الماتريدي: ((التمهيد لقواعد التوحيد)) (ص: ٧٤).
(٤) الآمدي: ((غاية المرام)) (ص٩٧، ١٠٦، ١١٠).
(٥) البيجوري: ((تحفة المريد)) (ص٤٥، ٥٨).
(٦) ((تبصرة الأدلة)) (ل ١٥٨) صورة عن دار الكتب المصرية تحت رقم (٤٢ توحيد).

<<  <  ج: ص:  >  >>