للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - هل يجوز الاستثناء في الإيمان؟ منعت الماتريدية الاستثناء، وقالت الأشاعرة بالجواز (١)، ولم يصب التاج السبكي في جعله الخلاف في هذه المسألة خلافاً لفظياً، فكيف يكون لفظياً وقد رتب عليه بعض الأحناف تكفير من يقول بالاستثناء في الإيمان، فيقول: "لا ينبغي للحنفي أن يزوج ابنته من رجل شافعي المذهب، ولكن يتزوج من الشافعية تنزيلاً لهم منزلة أهل الكتاب، بحجة أن الشافعية يرون جواز الاستثناء في الإيمان وهو كفر" (٢).٩ - هل يصح إيمان المقلد؟ (٣) مذهب جمهور الحنفية الماتريدية أن إيمان المقلد صحيح، غير أنه عاص بترك الاستدلال (٤)، وذهب جمهور الأشاعرة إلى عدم الاكتفاء بالتقليد في العقائد، وفسر بعضهم عدم الاكتفاء بالكفر، ونقل عن الأشعري أنه قال: إن المقلد خرج من الكفر ولم يستحق اسم الإيمان (٥).قلت: إن صح عنه هذا فهو من آثار الاعتزال وبقاياه، وإلا فما المانع من أن يستحق اسم المؤمن إذا شهد بالحق واستقامت حاله؟ والحق صحة إيمان كل مؤمن بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع طاعته (٦)، وذكر صاحب (التمهيد) أن المشهور من مذهب الأشعري أن المقلد ليس بمؤمن (٧).

والحاصل: من هذه المقارنة أن هؤلاء لا يختلفون في الأصول الكلامية التي بنوا عليها التأويل، أعني: تقديم العقل على النقل، وبناء التأويل على ما سموه محالات عقلية، يقول أحد أئمة الماتريدية:"وقد تقرر أن الأمر الممكن الذي أخبر به الشارع يجب الإيمان من غير تأويل، وأما الأمر المحال عقلاً فالنص الوارد فيه مصروف عن ظاهره، كالنصوص الموهمة لإثبات جسمية، أو جهة للواجب تعالى، نحو قوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: ١٠] فإنهما مؤولة بالقدرة، وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: ٥] فالاستواء مؤول بالعظمة التامة، والقدرة القاهرة" (٨).وكذلك متفقون على أن نصوص القرآن والسنة المتواترة وإن كانت قطعية الثبوت ولكنها ظنية الدلالة؛ لأنها أدلة لفظية وظواهر ظنية لا تفيد اليقين (٩). ولأجل هذا كله اتحد منهجهم في باب الصفات فأثبت كل بعض الصفات وأول بعضاً.

وتجدر الإشارة إلى الأقوال المنسوبة إلى الطائفتين فيما سبق من باب التغليب، فقد يوجد من الأشعرية من قال بقول الماتريدية في بعض المسائل، وكذلك العكس.

المصدر:جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية لمحمد أحمد لوح - ص ٢٥٧


(١) انظر: ((التوحيد)) للماتريدي (ص: ٣٨٨).
(٢) الكردي البزازي: ((الفتاوى البزازية)) (٤/ ١١٢) / بيروت/ دار إحياء التراث/ على هامش الفتاوى الهندية، و ((البحر الرائق)) (٢/ ٤٦، ٣/ ١٠٣) وقائله هو أبو حفص السفركردري أحد أئمة خوارزم.
(٣) ومقصدهم بالمؤمن المقلد: الذي أقر بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من غير استدلال على طريقة المتكلمين. انظر: ((التمهيد)) للامشي (ص: ١٣٥).
(٤) انظر ((شرح الفقه الأكبر)) المنسوب للماتريدي (ص: ٨)، ((ونظم الفوائد)) (ص: ٤٠)، وانظر ((درء التعارض)) (٧/ ٤٤١).
(٥) انظر ((الروضة البهية)) (ص: ٢٢) و ((أصول الدين)) للبغدادي (ص: ٢٥٥).
(٦) انظر ((درء التعارض)) (٨/ ٦ - ١٠).
(٧) ((اللامشي)) (ص: ١٣٧).
(٨) عبدالعزيز الفريهاري: ((النبراس)) (ص: ٣١٦ - ٣١٧) / بشاور/ كتبخانة إكرامية.
(٩) انظر ((شرح العقائد النسفية)) (ص: ٥، ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>