للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتناقض الذي وقع فيه متقدمو الأشعرية، موجود في مذهبهم في الصفات، وكلام الله، والقدر، وغير ذلك من المسائل التي خالفوا فيها أهل السنة. والشيء الملفت هنا – أن المتأخرين من الأشاعرة، وهم أكثر تناقضا – اتهموا المتقدمين من أئمتهم بالتناقض، يقول شيخ الإسلام عن ابن كلاب والأشعري وبعض الصفاتية: إنهم يقولون: إن الله تعالى فوق العرش، وإنه مع ذلك ليس بجسم ولا متحيز قال شيخ الإسلام: "والمنازعون لهم في كونه فوق العرش كالرازي ومتأخري الأشعرية وكالمعتزلة يدعون أن هذا تناقض مخالف للضرورة العقلية"، ثم يقول في المفاضلة بين الأولين – أي متأخري الأشعرية كالرازي والجويني – وهؤلاء – أي متقدمي الأشعرية-: "تبين أن الأولين أعظم مخالفة للضرورة العقلية، وأعظم تناقضا من هؤلاء، وأن هؤلاء (أي الجويني وابن كلاب) لا يسع أحدهم في نظره ولا مناظرته أن يوافق أولئك على ما سلكوه من النفي فرارا مما ألزموه إياه من التناقض؛ لأنه يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، فيكون الذي وقع فيه من التناقض ومخالفة الفطرة الضرورية العقلية أعظم مما فر منه، مع ما في ذلك من مخالفة القرآن والسنة وما اتفق عليه سلف الأمة، وإن كان قد يضطر إلى نوع باطل في الأول، فإنه بمنزلة قول الواقف في الرمضاء: أنا أجد حرارتها وألمها، فيقال له: النار التي فررت إليها أعظم حرارة وألما، وإن كنت لا تجدها حين وقوفك على الرمضاء، بل تجدها حين تباشرها – فيكون قد فر من نوع تناقض وخلاف بعض الضرورة، فوقع في أنواع من التناقضات ومخالفة الضرورات، وبقى ما امتاز به الأول في كلامه من الزندقة والإلحاد، ومشاقة الرسول من بعد ما تبين له الهدى، واتباع غير سبيل المؤمنين: زيادة على ذلك" (١).وهؤلاء المتأخرون إنما رموا أئمتهم المتقدمين بالتناقض لأنهم كانوا عارفين بالأصول العقلية التي اعتمدها هؤلاء، وأنها تقتضي أن يلتزموا لوازمها وأن لا يهابوا أهل الحديث بل يصرحوا بما تقتضيه هذه الأصول ولوازمها. وهذا هو ما فعله المتأخرون وطبقوه (٢).


(١) ((نقض التأسيس)) المطبوع (٢/ ١١٠ - ١١١)، وقد بين فيما بعد تناقض المتقدمين والمتأخرين من الأشعرية وأن كلا منهم اتهم الآخر بالتناقض (ومعلوم اتهام المتقدمين للمتأخرين إنما هو يوافق الحال لا بالمقال)، انظر ((نقض التأسيس)) المخطوط (٣/ ٢٠٠ - ٢٠٢).
(٢) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (١٦/ ٣٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>