للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاصل: أن مناصرة الملوك والسلاطين والأمراء لمذهب ما وتشجيعهم لعلمائه من أهم أسباب انتشاره، كما يقال: " الناس على دين ملوكهم "، وهذا واقع غالبا، وهذا من الأسباب الرئيسة لنشر العقيدة الأشعرية في البلاد الشامية، والمغربية أيضا. قال أبو عذبة: " وفي بلاد الهند على كثرتها، وسعتها، وبلاد الروم على كثرتها وسعتها - مع كونهم بأسرهم حنفية - عقائد الماتريدية " (١).

وهكذا انتشرت الماتريدية وعقائدهم في بلاد ما وراء النهر، والترك، والأفغان، والهند، والصين وما والاها.

وقوى هذا السبب لنشر العقيدة الماتريدية في الهند وما جاورها، أن العلماء والمشائخ الذين وردوا الهند في عهود الملوك المسلمين - كان جلهم من علماء ما وراء النهر الذي كان معظم اعتمادهم على كتب المتأخرين من فقهاء الحنفية وكان عنايتهم بكتب السنة تحلة للقسم وكانوا مولعين بخرافات اليونان فأصبح مسلموا الهند يتسكعون في ظلمات علوم اليونان.

وافتخر الكوثري افتخارا عظيما بكثرة الحنفية في بقاع الأرض قائلاً:

". . . فالحنفية في السند لا تقل عن خمسة وسبعين مليونا، وفي الصين عن خمسين مليونا، وفي بلاد الروس، والقوقاس، والقزان وبخارى، وسيبريا، وما والاها عن خمسين مليونا أيضا، وفي بلاد الرومان، والعرب، ودربوسنا، وهرسك، والألبان، والبلغار، واليونان، والبلاد العثمانية القديمة في القارات الثلاث، يعني آسيا، وأوروبا، وأفريقيا، عن خمسين مليونا أيضا، سوى من بلاد الأفغان، وبلاد الحبشة، ومصر، وطرابلس الغرب، وتونس، وأفريقيا الجنوبية، وغيرها. . ".

قلت: نستدل بكلام الكوثري هذا - مع مجازفته - على كثرة الماتريدية وانتشارهم على البسيطة تبعا لانتشار الحنفية: ولكن عدد الماتريدية أقل من الحنفية؛ لأن في الحنفية جهمية أولى، ومعتزلة، وزيدية، وكرامية، واتحادية، وحلولية، والمتفلسفة، ونذرا قليلا من السلفية، كما أن النساء، والعوام وأصحاب الحرف من الفلاحين وغيرهم ليسوا من الماتريدية في شيء وإن هم انتسبوا إلى الماتريدية ظاهرا؛ فمن في هؤلاء من يزعم أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلا به ولا منفصلا عنه، ولا فوق ولا تحت؟ ومن فيهم من يقول: إن كلام الله كلام نفسي لا بحرف ولا بصوت وأن هذا القرآن العربي مخلوق ليس كلام الله بل هو دال على كلام الله؟

ومن فيهم من يقول: إن موسى عليه السلام لم يسمع كلام الله بل سمع صوتا مخلوقا في الشجرة إلى آخر تلك الحماقات الكلامية الماتريدية؟. فهؤلاء كلهم في الحقيقة على الفطرة فلا يصح ظن الظان أن الماتريدية والأشعرية تمثل أهل السنة وأنهم الكثرة الكاثرة والجمهور وأنهم السواد الأعظم (٢).

بل الحقيقة أن الفريقين من الماتريدية والأشعرية قلة قليلة والذي اشتهر خلافه فهو خلاف الواقع والحقائق الملموسة.

٢ - مدارس الماتريدية، ونشاطهم الدراسي والتدريسي:


(١) انظر: ((الروضة البهية:)) (٤).
(٢) ((العلم الشامخ)): (ص٢٧١ – ٢٧٢)، و ((التعالم)) لـ (الدكتور بكر أبي زيد) (ص ١٠٦ – ١٠٧)، و ((منهج الأشاعرة)) لـ (الدكتور سفر الحوالي) (ص ٢٢ – ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>