لمدارس الماتريدية دور عظيم في نشر عقيدتهم، وأنا لا أخوض في تفصيل تلك المدارس لأن هذا يحتاج إلى بحث مستقل بل القصد ههنا التنبيه على أن المدارس لها دور في نشر عقيدة هؤلاء، وعلى سبيل المثال نذكر جامعة ديوبند فإنها أكبر جامعة للماتريدية في القارة الهندية ودورها في نشر العقيدة الماتريدية مما لا يخفى على أحد بطبيعة الحال وهكذا مدارس الحنفية الماتريدية في تاريخ أفغانستان، وفي تاريخ الدولة العثمانية فإنها خدمت الحنفية والماتريدية في آن واحد، فكانت هذه المدارس حقولا ومزارع لغرس البذور الماتريدية وتربيتهم ثم تخرجهم وانتشارهم في بقاع الأرض حيث يواصلون مساعيهم لنشر ما تعلموه وما رسخ في أذهانهم من العقيدة الماتريدية على ظنهم أنها عقيدة أهل السنة يجب الدفاع عنها ونشرها.
ولذلك لا تجد في جميع مدارس الحنفية الماتريدية عبر القرون كتابا واحدا من كتب السلف في العقيدة يكون في منهجهم الدراسي بل نرى بعكس ذلك كتب علم الكلام والمنطق يهتمون بها درسا وتدريسا، وهذا أمر جعلهم متعمقين في العقيدة الكلامية الماتريدية كما جعلهم بعيدين عن الكتاب والسنة والعقيدة السلفية السنية في آن واحد حتى الفنجفيرية.
٣ - نشاط الماتريدية في ميدان التأليف:
للماتريدية نشاط بالغ وسعي متواصل في ميدان التصنيف في علم الكلام، وانتشرت هذه الكتب في مشارق الأرض ومغاربها وبانتشارها ودرسها وتدريسها انتشرت العقيدة الماتريدية وبسطت سلطانها على قلوب المشائخ والطلاب، ونفصل في ذكر المؤلفات الماتريدية في الفصل الثاني، إن شاء الله تعالى. المهم أن نذكر الآن أن تراث الماتريدية وعكوف الناس عليه سبب عظيم لنشر عقائدها.
ونضرب لذلك مثالا واحدا على لسان أحد الماتريدية المعاصرة.
يقول الدكتور أبو الخير محمد أيوب علي البنغلاديشي الماتريدي:
" وندرك أثر الماتريدي، ونجاح طريقته ورضاء أهل السنة بها؛. حين نرى (الفقه الأكبر) لـ (أبي حنيفة)، و (العقيدة) لـ (النسفي)، و (المسايرة) لـ (ابن الهمام) تدرس في هذه الأيام في الجامعات الدينية، وكلياتها، والمعاهد الدينية ومنها الأزهر وفي كثير من البلاد الإسلامية، وقد أدرك الأزهر ضرورة دراسة المدرسة الماتريدية، والتعريف بأبي منصور الماتريدي فأدرج في منهج الدراسة في كليتي الشريعة، وأصول الدين دراسة هذه المدرسة دراسة علمية وتاريخية " (١).
ويقول: " ثم إن مذهب الأشعري، وإن كان له أكبر أثر على عقيدة جمهور المسلمين، وكان قد تغلب على الماتريدية في الأيام الماضية، فإن الماتريدية قد أصبحت اليوم - كما يبدو لنا - أكثر منه تأثير على جماعة علماء أهل السنة ".
٤ - أمور أخرى تكون بمجموعها سببا قويا لانتشارهم وانخداع الناس بهم:
وهي ما يلي:
أ- تظاهرهم بمظهر أهل السنة بل دعواهم: أنهم، والأشعرية هم يمثلون أهل السنة.
ب- اتهامهم لأهل السنة المحضة وأصحاب الحديث بالتجسيم والتشبيه ونحو ذلك.
ج- انتسابهم إلى السلف ولاسيما إلى الأئمة: " أبي حنيفة " و " الشافعي " و " الأشعري ".
د- كثرة الحق الذي عندهم بالنسبة للباطل الذي عند غيرهم من أهل البدع.
هـ - ردهم على الفرق الباطلة كالجهمية الأولى والمعتزلة والخوارج والروافض وغيرهم.
وضعف أنوار الآثار السلفية وعجز كثير من أهل السنة المحضة وأهل الحديث ".
المصدر: الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات لشمس السلفي الأفغاني- ١/ ٢٦٩ - ٢٧٥
(١) ((عقيدة الإسلام)) (ص ٤٨٠).