للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن مصدر الماتريدية في التلقي هو العقل وقد صرح بهذا الماتريدي في كتاب (التوحيد) وفي (التأويلات) فهو يقول أصل ما يعرف به الدين وجهان: أحدهما السمع والآخر العقل أما السمع فما لا يخلو بشر من انتحاله مذهبا يعتمد عليه ويدعوه غيره إليه ... فلزم طلب أصل يجمعهم عليه لغاية ما احتمل وسعهم الوقوف عليه على أن الأحق في ذلك إذ علم بحاجة كل ممن يشاهد وضرورة كل من المعاين أن لهم مدبرا عالما بأحوالهم وبما عليه بقاؤهم وأنه جبلهم على الحاجات لا يدعهم وما هم عليه من الجهل وغلبة الأهواء مع ما لهم من الحاجة في معرفة ما به معاشهم وبقاؤهم دون أن يقيم لهم من يدلهم على ذلك ويعرفهم ذلك ولابد من أن يجعل له دليلا وبرهانا يعلمون خصوصه بالذي خصه به من الإمامة لهم وأحوجهم إليه فيما عليه أمرهم فيكون في ذلك ... أنه هو الذي جعله المفزع لهم والمعتمد" (١).وقال أيضا: " إنا وجدنا الناس مختلفي المذاهب في النحل في الدين متفقين على اختلافهم في الدين على كلمة واحدة: أن الذي هو عليه حق والذي عليه غيره باطل على اتفاق جملتهم من أن كلا منهم له سلف يقلد فثبت أن التقليد ليس مما يعذر صاحبه لإصابة مثله ضده على أنه ليس فيه سوى كثرة العدد اللهم إلا أن يكون لأحد ممن ينتهي القول إليه حجة عقل يعلم بها صدقه فيما يدعي وبرهان يقهر المنصفين على إصابته الحق فمن إليه - أي إلى العقل - مرجعه في الدين بما يوجب تحقيقه عنه فهو المحق ... " (٢).وقال في موضع آخر: " والأصل أن الله تعالى إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه أو شهادة السمع .... " (٣).وقال أيضا: " إن العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلا بالاستدلال" (٤). أي: بالمعرفة الاستدلالية القائمة على النظر العقلي".وقال في تفسيره لقوله تعالى: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:١٦٥] "قوله تعالى: لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:١٦٥] حقيقة الحجة لكن ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل فلا يكون وأما الدين فإن سبيل لزومه بالعقل فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة ... " (٥).والماتريدية لا تقول بالقدرة المطلقة للعقل إذ إن العقل عندهم يدرك ظواهر الأشياء ولا يدرك ماهيتها وحقائقها يقول الماتريدي موضحا هذا: " إن العقول أنشئت متناهية تقصر عن الإحاطة بكلية الأشياء والأفهام متقاصرة عن بلوغ غاية الأمر .... " (٦) وهم بذلك يحاولون أن يصلوا إلى غايتهم وهي محاولة التوسط بين العقل والنقل وهذا دفعهم إلى تقسيم العقائد إلى إلهيات ونبوات يستقل العقل بإثباتها وإلى سمعيات لا يستقل العقل بإثباتها ولا تدرك إلا بالسمع (٧).


(١) ((التوحيد)) (٤ - ٦).
(٢) ((التوحيد)) (٣).
(٣) ((التوحيد)) (١٢٩).
(٤) ((التوحيد)) (١٣٧).
(٥) ((تأويلات أهل السنة)) (١/ ٤٤٤) نسخة دار الكتب المصرية ل ١٢١ الظاهرية. وانظر ((التوحيد ١٨٥))، (٢٢٤)، ((تبصرة الأدلة)) ل (١٠١)، ((التمهيد)) (١٩)، ((بحر الكلام)) (٥، ٦، ١٤)، ((النور اللامع)) ل (٨٠)، ((شرح الشيرازي على منظومة السبكي)) ل (٨، ٢١)، ((بيان الاعتقاد)) ل (٢٢، ٢٣)، ((الخلافيات والوفاقيات)) ل (٦٩، ٧٠)، ((إشارات المرام)) (٧٥)، ((الروضة البهية)) (٣٤، ٣٦، ٣٧).
(٦) ((التأويلات)) (١/ل٦٥١) دار الكتب.
(٧) انظر ((الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية)) (١/ ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>