للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدل على أن الخارجين على عثمان رضي الله عنه كان سبب خروجهم طلب الرئاسة والملك، أنه لما بويع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واستقر له الأمر بعد وقعة الجمل، استعمل رضي الله عنه عبد الله بن عباس على البصرة وبلغ ذلك مالكا الأشتر (١) - وهو من الخارجين على عثمان – فغضب وقال: " علام قتلنا الشيخ (٢)؟ إذ اليمن لعبيد الله، والحجاز لقثم (٣)، والبصرة لعبد الله، والكوفة لعلي " (٤)؟! بل إنهم صرحوا بأن خروجهم وشغبهم على عثمان كان طلبا للرئاسة، فقد كان هؤلاء النفر (٥) أثاروا الشغب والفتنة في الكوفة، فسيرهم عثمان رضي الله عنه إلى معاوية في الشام، فذكرهم معاوية بالله وبالتقوى لفساد الحال وهتك حرمة الأمة (٦)، وبين لهم معاوية كيف أن ولاة الأمر للمسلمين جنة فقال: " أن أئمتكم لكم إلى اليوم جنة (٧)، فلا تسدوا عن جنتكم ... ".فقال صعصعة بن صوحان (٨): أما ما ذكرت من الجنة، فإن الجنة إذا اخترقت خلص إلينا (٩). أي إذا قتلنا ولاتنا صارت الولاية إلينا (١٠).ولقد كتب معاوية إلى عثمان رضي الله عنه يصفهم فقال: إنه قدم علي أقوام ليست لهم عقول ولا أديان. أثقلهم الإسلام وأضجرهم العدل، ولا يريدون الله بشيء، ولا يتكلمون بحجة، إنما همهم الفتة، وأموال أهل الذمة، والله مبتليهم ومختبرهم، ثم فاضحهم ومخزيهم ... " (١١).إن إثارة الشغب والفتنة في الأمة، وظهور الخلافات السياسية بين ولاة أمر المسلمين من شأنه أن يضعف الدولة الإسلامية، ويشجع على ظهور الفرق المبتدعة، فسرعان ما تطل الفتنة برأسها، وترفع البدعة لوائها لتفرق الجماعة المسلمة، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في وصف الخوارج: ((يخرجون على حين فرقة من الناس)) (١٢).ولقد عاب الصحابة رضي الله عنهم التنازع على السلطة والتقاتل على الملك، فعن سعيد بن جبير (١٣)


(١) هو: مالك بن الحارث النخعي المعروف بالأشتر، كان من ملوك العرب، وأحد الأشراف والأبطال، وكان ممن ألب على عثمان وحضر حصره في المدينة، شهد الجمل وصفين مع علي بن أبي طالب، توفي عام ٣٧هـ. انظر: ((السير)) (٤/ ٣٤)، ((تهذيب التهذيب)) (١٠/ ١١).
(٢) يقصد به عثمان رضي الله عنه.
(٣) هو: قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخو الفضل وعبد الله وعبيد الله له صحبه، قد أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو قليل الرواية. انظر: السير (٣/ ٤٤٠)، تهذيب التهذيب (٨/ ٣٦١).
(٤) انظر ((تاريخ الطبري)) (٣/ ٣١) حاشية ((العواصم من القواصم)) لمحب الدين الخطيب (ص ١١٥).
(٥) منهم: عبد الرحمن بن عديس، ومالكا الأشتر، وحكيم بن جبلة، وابن الكواء اليشكري، وصعصعة بن صوحان العبدي وأخوه زيد، وجندب بن زهير الغامدي وغيرهم، انظر ((تاريخ الطبري)) (٢/ ٦٣٩).
(٦) انظر ((العواصم من القواصم))، تحقيق محب الدين الخطيب (ص ١١٦).
(٧) معنى جنة أي سترة، لأنه يمنع العدو أذى المسلمين، ويكف أذى بعضهم عن بعض. انظر ((فتح الباري)) (٦/ ١١٦).
(٨) هو: صعصعة بن صوحان العبدي أبو طلحة، أحد خطباء العرب، وشهد صفين مع علي رضي الله عنه، توفي بالكوفة في خلافة معاوية رضي الله عنه. انظر: الإصابة (٣/ ٢٥٩)، السير (٣/ ٥٢٨).
(٩) انظر الخبر في الفتنة ووقعة الجمل رواية سيف بن عمر الضبي، جمع أحمد عرموش (ص ٣٨).
(١٠) انظر حاشية ((العواصم من القواصم)) للخطيب (ص ١١٦).
(١١) انظر ((الفتنة ووقعة الجمل)) (ص ٣٩).
(١٢) رواه البخاري (٦١٦٣) ومسلم (١٠٦٤).
(١٣) هو: سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الكوفي أبو محمد وقيل أبو عبد الله، قال الطبري: هو ثقة إمام، حجة على المسلمين قتل في شعبان سنة ٩٥هـ .. انظر: السير (٤/ ٣٢١)، تهذيب التهذيب (٤/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>