للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقال لهم: إن القول بالتأويل على اصطلاحكم شر من التشبيه والتعطيل فإن التأويل " يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها فإن المعطل والمؤول قد اشتركا في نفي حقائق الأسماء والصفات وامتاز المؤول بتلاعبه بالنصوص وانتهاكه لحرمتها وإساءة الظن بها ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال فجمعوا بين أربعة محاذير: اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله المحال الباطل ففهموا التشبيه أولا ثم انتقلوا إلى المحذور الثاني وهو التعطيل فعطلوا حقائقها بناء منهم على ذلك الفهم الذي لا يليق بها ولا يليق بالرب جل جلاله. المحذور الثالث نسبة المتكلم الكامل العلم الكامل البيان التام النصح إلى ضد البيان والهدى والإرشاد ... ولا ريب عند كل عاقل أن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه أو أفصح أو أنصح للناس. المحذور الرابع: تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها فلو رأيتها وهم يلوكونها بأفواههم وقد حلت بها المثلات وتلاعبت بها أمواج التأويلات ونادى عليها أهل التأويل في سوق من يزيد فبذل كل واحد في ثمنها من التأويلات ما يريد فلو شاهدتها بينهم وقد ... قعد النفاة على صراطها المستقيم بالدفع في صدورها والأعجاز وقالوا لا طريق لك علينا وإن كان لا بد فعلى سبيل المجاز فنحن أهل المعقولات وأصحاب البراهين وأنت أدلة لفظية وظواهر سمعية لا تفيد العلم ولا اليقين فلا إله إلا الله والله أكبر كم هدمت بهذه المعاول من معاقل الإيمان وثلمت بها حصون حقائق السنة والقرآن .... " (١).ويلزم القائلين بالتأويل لوازم باطلة لا يرضى بواحد منها من في قلبه مثقال ذرة من إيمان " منها أن يكون الله سبحانه قد أنزل في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من هذه الألفاظ ما يضلهم ظاهره ويوقعهم في التشبيه والتمثيل ومنها أن يكون قد ترك بيان الحق والصواب ولم يفصح به بل رمز إليه رمزا وألغزه إلغازا لا يفهم منه ذلك إلا بعد الجهد الجهيد ومنها أن يكون قد كلف عباده أن لا يفهموا من تلك الألفاظ حقائقها وظواهرها وكلفهم أن يفهموا منها ما لا تدل عليه ولم يجعل معها قرينة تفهم ذلك ومنها أن يكون دائما متكلما في هذا الباب بما ظاهره خلاف الحق بأنواع متنوعة من الخطاب تارة بأنه استوى على عرشه وتارة بأنه فوق عباده وتارة بأنه العلي الأعلى وتارة بأن الملائكة تعرج إليه ... إلى غير ذلك من تنوع الدلالات على ذلك ولا يتكلم فيه بكلمة واحدة يوافق ما يقوله النفاة ولا يقول في مقام واحد فقط ما هو الصواب فيه لا نصا (ظاهرا ولا تنبيها) ومنها أن يكون أفضل الأمة وخير القرون فقد أمسكوا من أولهم إلى آخرهم عن قول الحق في هذا الشأن العظيم الذي هو من أهم أصول الإيمان وذلك إما جهل ينافي العلم وإما كتمان ينافي البيان ... ومنها أن ترك الناس من إنزال هذه النصوص كان أنفع لهم وأقرب إلى الصواب فإنهم ما استفادوا بنزولها غير التعرض للضلال ولم يستفيدوا منها يقينا ولا علما بما يجب لله ويمتنع عليه إذ ذاك إنما يستفاد من عقول الرجال وآرائها" (٢).

فهل يشك أحد بعد هذا في فساد التأويل وبطلانه؟!

وأما القول بالتفويض فهو في الحقيقة من شر أقوال أهل البدع وذلك لمناقضته ومعارضته نصوص التدبر للقرآن واستلزامه تجهيل الأنبياء والمرسلين برب العالمين فمن المعلوم " أن الله تعالى أمرنا أن نتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله؟!


(١) ((الصواعق)) (١/ ٢٩٦ - ٢٩٨)، ((المختصر)) (١/ ٤٨ - ٥٠).
(٢) ((الصواعق ١/ ٣١٤ - ٣١٦، المختصر)) (١/ ٥٠ - ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>