للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقال لهم إن الأصل في اللفظ حمله على الحقيقة وحمله على غير حقيقته وظاهره يكون إخراجا له عن أصله وهذا حتى يكون صحيحا مقبولا لابد لمدعيه أن يأتي بأربعة أمور ليس له قدرة على واحد منها وهي: الأول: بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي تأوله في ذلك التركيب الذي وقع فيه وإلا كان كاذبا على اللغة منشئا وضعا من عنده فإن اللفظ قد لا يحتمل ذلك المعنى لغة وإن احتمله فقد لا يحتمله في ذلك التركيب الخاص" (١).الثاني: أن " يبين ذلك المعنى ... فإنه إذا أخرج عن حقيقته قد يكون له معان فتعين ذلك المعنى يحتاج إلى دليل" (٢).الثالث: "إقامة الدليل الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره فإن دليل المدعي للحقيقة والظاهر قائم فلا يجوز العدول عنه إلا بدليل صارف يكون أقوى منه" (٣).

الرابع: "الجواب عن المعارض فإن مدعي الحقيقة قد أقام الدليل العقلي والسمعي على إرادة الحقيقة

أما السمعي فلا يمكنك المكابرة أنه معه.

وأما العقلي فمن وجهين: عام وخاص. فالعام الدليل الدال على كمال علم المتكلم وكمال بيانه وكمال نصحه والدليل العقلي على ذلك أقوى من الشبه الخيالية التي يستدل بها النفاة بكثير فإن جاز مخالفة هذا الدليل القاطع فمخالفة تلك الشبه الخيالية أولى بالجواز وإن لم تجز مخالفة تلك الشبه فامتناع مخالفة الدليل القاطع أولى. وأما الخاص فإن كل صفة وصف الله بها نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فهي صفة كمال قطعا فلا يجوز تعطيل صفات كماله وتأويلها بما يبطل حقائقها فالدليل العقلي الذي دل على ثبوت الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر دل نظيره على ثبوت الحكمة والرحمة والرضا والغضب والفرح والضحك والذي دل على أنه فاعل بمشيئته واختياره دل على قيام أفعاله به وذلك عين الكمال المقدس وكل صفة دل عليها القرآن والسنة فهي صفة كمال والعقل جازم بإثبات صفات الكمال للرب سبحانه ويمتنع أن يصف نفسه أو يصفه رسوله بصفة توهم نقصا وهذا الدليل أيضا أقوى من كل شبهة للنفاة" (٤).


(١) ((الصواعق المرسلة)) (١/ ٢٨٩)، ((مختصر الصواعق)) (١/ ٤٣، ٤٤)، ((النونية بشرح هراس)) (١/ ٣٠٧).
(٢) ((الصواعق)) (١/ ٢٩٢)، ((المختصر)) (١/ ٤٥)، ((النونية)) (١/ ٣٠٧).
(٣) ((الصواعق)) (١/ ٢٩٢)، ((المختصر)) (١/ ٤٦)، ((النونية)) (١/ ٣٠٧، ٣٠٨).
(٤) ((الصواعق)) (١/ ٢٩٣)، ((المختصر)) (١/ ٤٦، ٤٧)، ((النونية)) (١/ ٣٠٨، ٣١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>