للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذا لم يكن لهم قانون مستقيم في التأويل فلا يستطيعون أن يفرقوا بين النصوص التي تحتاج إلى تأويل والتي لا تحتاج إليه فهم كما يقول شيخ الإسلام: " يوجبون التأويل في بعض السمعيات دون بعض وليس في المنتسبين إلى القبلة بل ولا في غيرهم من يمكنه تأويل جميع السمعيات.

وإذا كان كذلك قيل لهم ما الفرق بين ما جوزتم تأويله فصرفتموه عن مفهومه الظاهر ومعناه البين وبين ما أقررتموه؟

فهم بين أمرين إما أن يقولوا ما يقوله جمهورهم إن ما عارضه عقلي قاطع تأولناه وما لم يعارضه عقلي قاطع أقررناه.

فيقال لهم: فحينئذ لا يمكنكم نفي التأويل عن شيء فإنه لا يمكنكم نفي جميع المعارضات العقلية ...

وأيضا فعدم المعارض العقلي القاطع لا يوجب الجزم بمدلول الدليل السمعي فإنه على قولكم إذا جوزتم على الشارع أن يقول قولا له معنى مفهوم وهو لا يريد ذلك لأن في العقليات الدقيقة التي لا تخطر ببال أكثر الناس أو لا تخطر للخلق في قرون كثيرة ما يخالف ذلك جاز أن يريد بكلامه ما يخالف مقتضاه بدون ذلك لجواز أن يظهر في الآخرة ما يخالف ذلك أو لكون ذلك ليس معلوما بدليل عقلي ونحو ذلك فإنه إذا جاز أن يكون تصديق الناس له فيما أخبر به موقوفا على مثل ذلك الشرط جاز أن يكون موقوفا على أمثاله من الشروط إذ الجميع يشترك في أن يكون الوقف على مثل هذا الشرط يوجب أن لا يستدل بشيء من أخباره على العلم بما أخبر به.

وإن قالوا بتأويل كل شيء إلا ما علم بالاضطرار أنه أراده كان ذلك أبلغ فإنه ما من نص وارد إلا ويكون الدافع له أن يقول ما يعلم بالاضطرار أنه أراد هذا.

فإن كان للمثبت أن يقول أنا أعلم بالاضطرار أنه أراده كان لمن أثبت ما ينازعه فيه هذا المثبت أن يقول أيضا مثل ذلك ... فإنك إذا تأملت كلامهم لم تجد لهم قانونا فيما يتأول وما لا يتأول بل لازم قولهم إمكان تأويل الجميع ... فعلم أن قولهم باطل ... " (١).

" فهؤلاء مع تناقضهم لا يجعلون الرسول نفسه نصب في خطابه دليلا يفرق به بين الحق والباطل والهدى والضلال بل يجعلون الفارق هو ما يختلف باختلاف الناس من أذواقهم وعقولهم.

ومعلوم أن هذا نسبة للرسول إلى التلبيس وعدم البيان بل إلى كتمان الحق وإضلال الخلق بل إلى التكلم بكلام لا يعرف حقه من باطله ولهذا كان حقيقة أمرهم الإعراض عن الكتاب والرسول. فلا يستفيدون من كتاب الله وسنة رسوله شيئا من معرفة صفات الله تعالى بل الرسول معزول عندهم عن الإخبار بصفات الله نفيا وإثباتا وإنما ولايته عندهم في العمليات ... " (٢).


(١) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٥/ ٣٤٣ - ٣٤٥).
(٢) ((درء تعارض العقل والنقل)) (٥/ ٢٤٠، ٢٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>