للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - يقال لهم: "مما ينبغي أن يعلم أن الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها وما أريد بها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم ولهذا قال الفقهاء الأسماء ثلاثة أنواع: نوع يعرف حده بالشرع كالصلاة والزكاة ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر ونوع يعرف حده بالعرف كلفظ القبض ولفظ المعروف في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:١٩] ونحو ذلك ... فاسم الصلاة والزكاة والصيام والحج ونحو ذلك قد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ما يراد بها في كلام الله ورسوله وكذلك لفظ الخمر وغيرها ... فلو أراد أحد أن يفسرها بغير ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه .... " (١).ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين المراد باسم الإيمان والإسلام والنفاق والكفر " بيانا لا يحتاج معه إلى الاستدلال على ذلك بالاشتقاق وشواهد استعمال العرب ونحو ذلك فلهذا يجب الرجوع في مسميات هذه الأسماء إلى بيان الله ورسوله فإنه شاف كاف بل معاني هذه الأسماء معلومة من حيث الجملة للخاصة والعامة بل كل من تأمل ما تقوله الخوارج والمرجئة في معنى الإيمان علم بالاضطرار أنه مخالف للرسول ويعلم بالاضطرار أن طاعة الله ورسوله من مقام الإيمان" (٢).

٢ - القول بالترادف بين الإيمان والتصديق غير صحيح بدليل " أنه يقال للمخبر إذا صدق صدقه ولا يقال آمنه ولا آمن به بل يقال آمن له كما قال تعالى فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ [العنكبوت:٢٦] "وقال" فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ [يونس:٨٣] ففرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام فالأول يقال للمخبر به والثاني للمخبر ولا يرد كونه يجوز أن يقال ما أنت بمصدق لنا لأن دخول اللام لتقوية العامل كما إذا تقدم المعمول أو كان العامل اسم فاعل أو مصدرا على ما عرف في موضعه"كما أن " الفرق بينهما ثابت في المعنى فإن كل مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في اللغة صدقت كما يقال له كذبت فمن قال السماء فوقنا قيل له صدقت وأما لفظ الإيمان فلا يستعمل إلا في الخبر عن الغائب فيقال لمن قال طلعت الشمس صدقناه ولا يقال آمنا له فإن أصل معنى الأمن والائتمان إنما يكون في الخبر عن الغائب فالأمر الغائب هو الذي يؤتمن عليه المخبر" (٣).

٣ - وعلى فرض صحة القول بالترادف بين الإيمان والتصديق فإن القول بأن التصديق لا يكون إلا بالقلب أو بالقلب واللسان عنه جوابان:" أحدهما المنع بل الأفعال تسمى تصديقا كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العينان تزنيان وزناهما النظر والأذن تزني وزناها الاستماع واليد تزني وزناها البطش والرجل تزني وزناها المشي والقلب يتمنى ذلك ويشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)) (٤) وكذلك قال أهل اللغة وطوائف من السلف والخلف. قال الجوهري: والصديق مثال الفسيق الدائم التصديق ويكون الذي يصدق قوله بالعمل. وقال الحسن البصري: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ... .الثاني: أنه إذا كان أصله التصديق فهو تصديق مخصوص كما أن الصلاة دعاء مخصوص والحج قصد مخصوص والصيام إمساك مخصوص وهذا التصديق له لوازم صارت لوازمه داخلة في مسماه عند الإطلاق فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم ويبقى النزاع لفظيا هل الإيمان دال على العمل بالتضمن أو اللزوم " (٥).


(١) ((الإيمان)) لابن تيمية ص (٢٤١).
(٢) ((الإيمان)) لابن تيمية ص (٢٤١).
(٣) ((شرح الطحاوية)) (ص ٣٦٨، ٣٦٩)، ((الإيمان)) (ص ٢٤٦).
(٤) رواه البخاري (٦٢٤٣) ومسلم (٢٦٥٧) بنحوه.
(٥) ((الإيمان)) (ص ٢٤٨، ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>