للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا قولهم إن الكفر ضد الإيمان والكفر هو التكذيب والجحود وهما يكونان بالقلب فكذا ما يضادهما. يقال لهم: " إن لفظ الإيمان في اللغة لم يقابل بالتكذيب كلفظ التصديق فإنه من المعلوم في اللغة أن كل مخبر يقال صدقت أو كذبت ويقال صدقناه أو كذبناه ولا يقال لكل مخبر آمنا له أو كذبنا له ولا يقال أنت مؤمن له أو مكذب له بل المعروف في مقابلة الإيمان لفظ الكفر يقال هو مؤمن أو كافر والكفر لا يختص بالتكذيب بل لو قال أنا أعلم أنك صادق لكن لا أتبعك بل أعاديك وأبغضك وأخالفك لكان كفره أعظم فلو كان الكفر المقابل للإيمان ليس هو التكذيب فقط علم أن الإيمان ليس هو التصديق فقط بل إذا كان الكفر يكون تكذيبا ويكون مخالفة ومعاداة وامتناعا بلا تكذيب فلا بد أن يكون الإيمان تصديقا مع موافقة وموالاة وانقياد لا يكفي مجرد التصديق .... فيجب أن يكون كل مؤمن مسلما منقادا للأمر وهذا هو العمل " (١).

ثالثا: استدلالهم بالآيات الوارد فيها عطف العمل على الإيمان وقولهم إن العطف يقتضي المغايرة.

يقال لهم: إن الإيمان يرد في النصوص مطلق عن العمل ويرد مقرونا بالعمل فأما إذا ورد مطلقا فإنه يكون مستلزما للأعمال إذ لا يمكن تصور وجود إيمان القلب مع انتفاء جميع الأعمال وذلك كقوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:١٥] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)). وأما إذا عطف العمل على الإيمان فإن العطف هنا لا يقتضي المغايرة بل هو من باب عطف الخاص على العام أو الجزء على الكل وذلك كقولة تعالى حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى [البقرة:٢٣٨] وقوله: مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [البقرة:٩٨]. ومن هذا الباب قوله تعالى وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ونحوها من الآيات والله تعالى عطف العمل على الإيمان حتى لا يظن أحد أنه يكتفى بإيمان القلب فقط بل لابد معه من العمل الصالح (٢).

رابعا: قولهم بأن الله خاطب المؤمنين بالإيمان قبل فرض العمل فدل ذلك على عدم دخول الأعمال في مسمى الإيمان. فيقال لهم:" إن قلتم إنهم خوطبوا به قبل أن تجب تلك الأعمال فقبل وجوبها لم تكن من الإيمان وكانوا مؤمنين الإيمان الواجب عليهم قبل أن يفرض عليهم ما خوطبوا بفرضه فلما نزل إن لم يقروا بوجوبه لم يكونوا مؤمنين ولهذا قال تعالى: فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:٩٧] ولهذا لم يجئ ذكر الحج في أكثر الأحاديث التي فيها ذكر الإسلام والإيمان ... وذلك لأن الحج آخر ما فرض من الخمس فكان قبل فرضه لا يدخل في الإيمان والإسلام فلما فرض أدخله النبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان إذا أفرد وأدخله في الإسلام إذا قرن بالإيمان وإذا أفرد" (٣).

وبهذا يتبين لنا تهافت قولهم وتساقط استدلالاتهم وأن ما ذهبوا إليه خلاف الحق والصواب.

المصدر:الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص٤٥٣ - ٤٥٩


(١) ((الإيمان)) (ص ٢٤٧).
(٢) انظر ((الإيمان)) (ص ١٤٣، ١٤٤، ١٤٩، ١٦٥، ١٦٩، ١٧١)، ((الفتاوى)) (٧/ ١٩٥ - ١٩٨)، ((شرح الطحاوية)) (ص ٣٧٨ - ٣٨١).
(٣) ((الفتاوى)) (٧/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>